العواصف الاقتصادية تضرب العالم بأسره مع انخفاض أسعار النفط وفقدانه لأكثر من 70% من قيمته خلال السنوات القليلة الماضية. خبراء الاقتصاد يحذرون كل يوم من كوارث اقتصادية قادمة ويذهب بعضهم إلى أنها بداية فوضى عالمية.

على مستوى الحكومات في الخليج العربي هناك وعي بالخطر، وتباشر دول خليجية تطبيق حزمة من الإجراءات لمواجهة تردي الأوضاع الاقتصادية. آخر التصريحات على المستويات القيادية في الخليج كانت لأمير دولة قطر الذي قال إن «بلاده بحاجة إلى تغيير ثقافتها الاستهلاكية لمواجهة تبعات انهيار أسعار الطاقة العالمية»، ودعا بشكل مباشر إلى تغيير الثقافة الاستهلاكية في التعامل مع الثروة والتخلص من «الإسراف والتبذير».

أما على مستوى المجتمعات الخليجية فيبدو أن الوعي مختلف. الفرد الخليجي لا يزال مستمراً في ممارسة سلوكياته الاستهلاكية «المتطرفة» أحياناً. لننظر إلى بعض الأرقام: استهلاك الفرد الخليجي للمياه يومياً لا يزال الأعلى عالمياً رغم تصنيف دول الخليج من أكثر الدول فقراً بالمياه على مستوى العالم، إذ يصل استهلاك الخليجي للمياه إلى أكثر من ثلاثة أضعاف المعدلات الضرورية والمقبولة، ولا تختلف نسب استهلاكه للكهرباء عن الماء كثيراً.

وفي حين ينفق الخليجي على الغذاء بين 12 و26 % من دخله سنوياً «إحصائيات وزراة الزراعة الأمريكية 2016»، نجده ينفق على «الأشياء غير المهمة والكماليات» نحو 20% من دخله وفقاً لأرقام نشرت بموقع «الجزيرة» نهاية العام الماضي. وبذكر الكماليات نورد مثالاً، يعتبر الخليج أكبر سوق لمستحضرات التجميل في الشرق الأوسط، وينفق عليه المستهلكون السعوديون وحدهم نحو 60 مليار ريال سنوياً، كما جاء في تقرير صادر عن شركة Saudi Health and beauty، معدلات الإنفاق على مستحضرات التجميل هذه هي الأكثر عالمياً. وقس على ذلك باقي الكماليات وستجد الخليجي يتصدر قائمات الإنفاق عليها.

ولا يكتفي الخليجي بسوقه المحلّي المتشبع بالمولات التجارية والبضائع والسلع والماركات العالمية وفروع أشهر المطاعم والمقاهي إلخ، بل يسافر أيضاً ليتسوق من الخارج، فقد أظهرت بيانات بريطانية نشرتها «بي بي سي» في فبراير الماضي ان السائح الخليجي هو الاكثر إنفاقا على التسوق في بريطانيا بما يعادل ضعفي إنفاق السياح من الجنسيات الأخرى، وكشفت البيانات نفسها أن السفر بهدف التسوق يشغل حيزاً كبيراً من رحلات الخليجيين مقارنة بالسياحة الثقافية وغيرها. الخليجي يفضل التسوق على الثقافة؟ معلومة ليست صادمة بالنسبة لي على الأقل.

نستدل من إحصائيات ومعدلات إنفاق الفرد الخليجي أنه يعيش في عالم آخر ولم يفق حتى الآن من غيبوبة التسوق والاستهلاك وتكديس الكماليات. أجيال خليج ما بعد الطفرة النفطية تربت على سلوكيات استهلاكية لا تناسب أيامنا هذه، هي أجيال لم تتعلم العيش على القليل كما كان حال الآباء والأجداد.. هذا الأمر قد يهدد وجودها وقدرتها على البقاء في الظروف الاقتصادية الصعبة.

ثمة دور كبير مطلوب من الخبراء والمسؤولين والإعلام والتربويين لمخاطبة المجتمع بلغة سهلة يفهمها وعبر الوسائل الحديثة ليكون في الصورة الاقتصادية القاتمة ويدركها على أمل أن يعدل نزعاته الاستهلاكية. الآلة الإعلانية وصلت لجيوب الكل وفي جوالاتهم وفي تطبيقات الميديا الحديثة، «الموديلز» و«الفاشنيستا» والمشاهير يستعرضون مقتنياتهم التي تعطيهم إياها الشركات بغرض الدعاية، ويهرع الخليجي والخليجية لشراء تلك المقتنيات. على التوعويين والخبراء والمرشدين الوصول إلى الناس عبر الوسائل نفسها وبسرعة رجاءً!