«الأمة الأمريكية منقسمة الآن» بعد فوز دونالد ترامب بالرئاسة كما جاء في تقرير لقناة «سي إن إن» في 12 من الشهر الحالي. الاحتجاجات الشعبية على نتائج الانتخابات تجتاح عدة ولايات أمريكية، والمفارقة العجيبة أنها تشبه احتجاجات شعبية سابقة مناهضة لنتائج الانتخابات الرئاسية في دولة وصفتها الولايات المتحدة بالديكتاتورية وأدرجتها في محور الشر هي إيران التي شهدت تظاهرات واسعة بعد فوز الرئيس السابق أحمدي نجاد تم إخمادها بالقوة.

أين اختفت «الأخلاق» الديمقراطية وقبول شعوب كبرى الديمقراطيات بنتائج التصويت ومباركتها؟ العالم يتغير وصوت الاعتدال في العالم بأسره ينحسر الآن.

المعتدلون الأمريكيون مصدومون من صعود ممثلي «التطرف والعدائية والعنصرية» إلى أعلى درجات الحكم. واشنطن ليست الوحيدة في هذا، ثمة موجة عامة من التطرف السياسي اجتاحت بلداناً أوروبية عريقة في ديمقراطيتها فباتت رهينة الأحزاب اليمينية المتطرفة والتي نجح بعضها في الوصول للبرلمان الأوروبي للمرة الأولى، وهو ما قرأه المحللون على أنه نقطة البداية لتفكك الاتحاد الأوروبي الذي شكل نموذجاً أخاذاً للوحدة كسب إعجاب العالم كله. وجاء قرار بريطانيا بالخروج من الاتحاد ليؤكد تلك القراءات والتنبؤات.

بروز الأحزاب اليمينية في أوروبا بحسب تقرير لمؤسسة «سبتوتنيك» الإعلامية التابعة لوكالة أنباء «روسيا سيغودنيا» هو رد فعل على «خيبة أمل قطاعات واسعة من الأوروبيين من سياسات العولمة وتطبيقاتها وما قادت إليه» وكرد فعل على ارتفاع مستويات البطالة والأزمات المالية التي تشهدها أوروبا.

ولو اتجهنا شرقاً لوجدنا أيضاً صعود أصوات رئاسية حادة أو ذات سلوكيات غريبة. الرئيس الجديد للفلبين رودريغو دوتيرتي يصرح بمعاداته للولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن كانت الفلبين حليفاً مقرباً لواشنطن في آسيا تربطهما اتفاقية دفاع مشتركة. حاكم تايلند الجديد ماها فاجير يثير جدلاً منذ توليه بتصرفاته الغريبة وخروجه في مهمات رسمية شبه عارٍ وبـ«أوشام» تملأ جسده، أما الحال في كوريا الشمالية فمستمر تحت حكم كيم جونغ أون وسياساته المتطرفة المعروفة.

وفي الشرق الأوسط تعصف الحروب والانقسامات والإرهاب بعدة دول وتهدد بالتمدد، وتتكثف مساعي قوى ذات أطماع توسعية تعمل بكل طاقتها لتقسيم الدول وإضعافها فالاستيلاء عليها مع قوى كبرى تلاقت بينها المصالح.

بالنظر لما سبق لا نستغرب كون ترامب هو النتيجة الطبيعية للتطرف الذي يجتاح العالم، ومؤيدوه يرون فيه الشخص القادر على حمايتهم من إرهاب الآخرين ومن الهزات الاقتصادية ومن المهاجرين ومن المسلمين «المرتبط اسمهم بالإرهاب هناك». ومؤيدوه من العنصريين والعدائيين يحتفلون بالنصر الكبير.

إنه الجنون العالمي يعلن عن نفسه من الشرق إلى الغرب، ويسحب البساط من تحت الأصوات المعتدلة والمتزنة، والصوت المعتدل بطبيعة الحال يختفي وسط الصراخ والهياج، فما هي النتيجة الطبيعية لبروز كل هذا التطرف على المستويات القيادية العالمية إلى جانب بروز التنظيمات الإرهابية التي تدعي انتماءها لـ«الإسلام» بشقيها السني والشيعي؟ لا شيء بعد التطرف على أعلى المستويات سوى الحرب، هذه حتمية نتجت عنها حربان عالميتان سابقاً. واليوم طبول الحرب بشكلها التقليدي أو أساليبها الحديثة تقرع «ومن لا يسمعها فهو أصم»، كما قال هنري كسينجر ثعلب السياسة الأمريكية في تصريحات بعام 2012 تزامناً مع الفوضى في الشرق الأوسط وانعكاسات تلك الأحداث على العالم كله. إننا نشهد انحساراً للدبلوماسية أمام الخطاب العدائي المتطرف. هذا ليس تشاؤماً إنه الواقع بعيداً عن التشاؤم والتفاؤل أو حتى «التشاؤل».