مع بدء صيحات الغرب لمحاربة تنظيم داعش، تسلقت إيران الموجة للنيل من دول خليجية تحديداً بمحاولة إيهام الرأي العام العالمي بأن الخليج هو المعقل الأساسي لداعش وموطن رعايته حسب مزاعمها، مستخدمة كل الوسائل التي تضخ فيها ملايين الدولارات من إعلام ومراكز أبحاث داخلية وخارجية وكتّاب وجيش إلكتروني وتكثيف لنشاط اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة الأمريكية والذي يخصص قرابة تسعمائة وخمسون مليون دولار سنويا “لتشويه صورة دول الخليج العربي” بحسب ما أشار له متحدثون في ندوة “غاستا” التي نظمها مركز “دراسات” مؤخرا مستندين على دراسة صادرة في الولايات المتحدة.
وعلت حدة الخطاب الإيراني تجاه الخليج بعد الاتفاق النووي بين إيران ودول مجموعة 5+1 “خمسة زائد واحد”، والذي بدا فيه الطرف الأمريكي الأكثر حرصا على إنجاحه، وصار إعلام طهران صوتا مساندا للأصوات الأمريكية المطالبة بمحاسبة المملكة العربية السعودية تحديدا وإلقاء المسؤولية عليها عن أحداث 11 سبتمبر على الرغم من تبرئة السعودية من تلك الأحداث من قبل لجنتي الاستخبارات الأمريكية بشأن التحقيق في تلك الأحداث.
وارتفعت وتيرة هذه الأصوات بشكل ملحوظ بعد أن أجهضت المملكة العربية السعودية المشروع الإيراني في البحرين وبدأت في التحرك ضد المشروع نفسه في اليمن وفي سوريا. وراح الإعلام الأمريكي والإيراني والمنظمات المسيسة المتغطية بقناع “حقوقي” تبتز السعودية ودول خليجية أخرى وفتحت القنوات الإعلامية الأمريكية والمنظمات تلك أبوابها واسعا لنقل وجهة نظر “نشطاء” في خدمة المطامع التوسعية المذهبية الإيرانية، إلى أن وصلنا لإقرار قانون”جاستا” الأمريكي الذي يرى محللون أنه مفصّل لاستهداف السعودية علما بأن أول قضية تم رفعها بعد إقرار هذا القانون جاءت ضد المملكة من قبل أقارب أحدى ضحايا 11 سبتمبر.
الملاحظ أيضا إن الطرح الأمريكي المتواصل عن الإرهاب مختزَل في الجانب السني فقط فمع التقاء المصالح الأمريكية الإيرانية في المنطقة استبعد الطرف الأمريكي إرهاب الجماعات التابعة لإيران واستثنى الممارسات الحوثية وجرائم الحشد الشعبي وإرهاب حزب الله، الأمر الذي يؤكد مجددا أنه لا مكان للمباديء إذا التقت المصالح.
وفي ضوء الحديث عن السياسات الدفاعية الجديدة للولايات المتحدة والتي تستهدف الانحسار عن المنطقة ضمن الاهتمام بالصعود الصيني في آسيا فإنه لم يكن هناك بد من البحث عن “وكيل إقليمي” يتسلّم زمام الأمور في المنطقة والدلائل على الساحة تشير إلى أن الولايات المتحدة قد وجدت في طهران وكيلها المناسب، وبالتالي وجدت دول خليجة نفسها مجبرة على البحث عن تحالفات جديدة لا سيما مع دول إسلامية لمواجهة المتغيرات القادمة. بهذا ربما تتشكل ملامح “العالم الجديد” الذي ما انفكت الولايات المتحدة تبشر به، هذا العالم الذي يبدو أنه سيكون في منطقتنا عبارة عن معسكرات مذهبية متصارعة، فهل جاء الوقت أخيرا لنفهم النظام العالمي هذا وندرك معنى “العولمة” الأمريكية التي شغلت المفكرين فأشبعوها تحليلا وتنظيرا ضبابياً لنصل اليوم إلى أن القرية العالمية الواحدة التي تحدث عنها المفكرون الأمريكيون وغيرهم ليست مكاناً طوباوياً يجمع مختلف الفصائل البشرية باختلاف مشاربهم تحت سقف إنساني متقارب واحد بل قرية تضج بالصراع بين الجيران ويغلب عليها الخوف والقلق والتحفز، في هذه الرقعة من الأرض على الأقل؟