على الرغم من أن مسألة التدخل المباشر للناتو في الصراعات الإقليمية خارج أراضيه ستظل مرتبطة بشكل أساسي بالعقيدة الدفاعية للحلف والتي يتضمنها الميثاق المنشئ له وتحديداً المادة الخامسة منه والتي تنص على أن أمن دول الأعضاء كل لا يتجزأ وبالتالي فإن دور الحلف على الأرض يظل مرتبطاً بالحدود الجغرافية لأراضي أعضائه، فضلاً عن المفهوم الاستراتيجي الجديد للحلف والذي صدر عام 2010 و يصدر كل عشر سنوات لمراجعة التهديدات الأمنية التي تواجه أعضاء الحلف وآليات مواجهتها.

بيد أن ذلك لا يعني أن الحلف ليس معنياً بالتطورات الإقليمية الراهنة بل تمثل تحدياً لمصالح أعضائه لسببين الأول: أنها تقع ضمن نطاق مبادرتي الحوار المتوسطي عام 1994 بين الحلف وسبع دول متوسطية أو مبادرة استانبول عام2004 والتي انضمت إليها أربع دول خليجية وهي الإمارات والبحرين وقطر والكويت، والثاني: أن الأزمة السورية وما ترتب عليها من تحولات منها التدخل الروسي كانت تحدياً مباشراً للحلف حيث كان التدخل الروسي بداية توحيد قوسي الأزمات وهما القوس الشرقية والتي تضم كلاً من باكستان وأفغانستان وإيران ودول آسيا الوسطى والقوس الجنوبية وتضم دول شمال أفريقيا والدول العربية التي تقع على البحر المتوسط وهو ما أكده أحد مسؤولي الحلف بالقول «اعتدنا الحديث عن التهديد الشرقي والتهديد الجنوبي ولكن الجبهتين تشابكتا الآن» الأمر الذي يفسر انخراط الحلف في الجهود الدولية بشأن نتائج الأزمة السورية ومنها إرسال سفن حربية لبحر إيجه لمنع تهريب المهاجرين من تركيا إلى اليونان، فضلاً عن تأكيد مسؤولي الحلف عن تلقي الحلف طلباً من الولايات المتحدة في يناير 2016 بشأن إمكانية استخدام طائرات أواكس ضد تنظيم داعش ، بالإضافة إلى المناورات التي أجراها الحلف في 19 أكتوبر 2015 وقد استمرت خمسة أسابيع وكانت الأكبر من نوعها منذ أكثر من عقد من الزمان وشارك فيها 36 ألف جندي و230 وحدة عسكرية و140 طائرة وأكثر من 60 سفينة.

ولم يكن أمراً مستغرباً أن يطالب الرئيس الأمريكي الأمين العام للحلف خلال لقائهما في 26 مايو2015 « بدعم شركائه في العراق ودول الخليج لمكافحة الإرهاب» وأضاف الرئيس الأمريكي» أنه يتعين بناء قنوات دفاعية مع بلدان أخرى مثل العراق ودول مجلس التعاون الخليجي الراغبة في العمل معنا إضافة إلى الاتحاد الأفريقي» والجدير بالذكر أن تلك التصريحات جاءت بعد أسبوعين من انعقاد القمة الخليجية-الأمريكية في منتجع كامب ديفيد والتي أعاد الرئيس الأمريكي التأكيد خلالها على الالتزام بأمن دول مجلس التعاون فضلاً عن المساعدة في بناء القدرات الدفاعية لتلك الدول. وبالتالي فإن حالة عدم الاستقرار الإقليمي تثير التساؤلات حول القيمة المضافة التي يمكن أن يقدمها الحلف لدول مجلس التعاون والأمن الإقليمي عموماً؟ وواقع الأمر أنه من الصعوبة بمكان اختزال دور الحلف في تكوين جبهة موحدة ضد الإرهاب بالنظر إلى امتلاك الحلف خبرات أمنية ودفاعية متنوعة وبالتالي يمكن للحلف تعظيم القيمة المضافة للأمن على مسارين: الأول: يرتبط بدول مجلس التعاون او بعضها حسبما يرى الحلف . والثاني: بتحديات الأمن الإقليمي الخليجي عموماً.

فعلى صعيد المسار الأول فإن دول مجلس التعاون قد تكون بحاجة لأمرين أولها: التعاون بين الحلف ودول أعضاء مبادرة إسطنبول ككل بشأن العمل الاستخباراتي لمواجهة ظاهرة الإرهاب وليس بين الحلف وكل دولة على حدة حتى يمكن تعظيم الفائدة من ذلك التعاون، وثانيها: أن يكون لدى الحلف تصور محدداً لزيادة القدرات الجهوزية للقوات المسلحة لدول مجلس التعاون وخاصة البحرية منها لما للحلف من خبرة بشأن مواجهة تهديدات الأمن البحري ومن ذلك قوات الحلف في البحر المتوسط «المسعى النشط»، بالإضافة إلى إمكانية دعم الحلف لدول المجلس في مواجهة الإرهاب الإلكتروني. وعلى صعيد المسار الثاني: فإن الحلف يمكنه المساهمة في أمرين:

الأول: إعادة بناء القوات المسلحة في مناطق الصراعات استناداً إلى قرار مجلس الأمن الصادر في إبريل عام 2014 بشأن ضرورة إصلاح القطاع الأمني في مناطق ما بعد الصراع، بالإضافة إلى خبرة الحلف في هذا الشأن في العديد من الدول منها أوروبا الشرقية وأفغانستان.

والثاني: أن يكون للحلف رؤية متمايزة للأمن الإقليمي يمكن تنفيذها حيث لوحظ أن مسألة «الدولة المنهارة» تحظى بنقاش موسع داخل أروقة الحلف ومضمون ذلك النقاش أنه من الأفضل للحلف أن يحول دون انهيار الدول بدلاً من الانخراط في مواجهة تداعياتها والتي ربما تكون أكثر تكلفة من التدخل العسكري ذاته وهو ما أكدته حالات عديدة لتدخل الناتو في الأزمات خارج أراضيه. ومجمل القول إن الأزمات الإقليمية بقدر ما تمثله من تحد لاستراتيجيات حلف الناتو فإنها في الوقت ذاته تتضمن فرصاً يمكن من خلالها للحلف إعادة صياغة استراتيجياته تجاه الشركاء بما يعزز أمن هؤلاء الشركاء في مواجهة التحديات الأمنية غير المسبوقة في الوقت الراهن والتي تتطلب الحفاظ على مفهوم الدولة الوطنية الموحدة كركيزة أساسية للأمن الإقليمي.