لا جدال في أن التدخل العسكري في اليمن من خلال التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية منذ مارس عام 2015 وحتى الآن كان ضرورة إستراتيجية لتأمين أحد أهم الامتدادات الجيو إستراتيجية للمملكة ودول مجلس التعاون، وهو القرار الذي لقي-ولايزال-يحظى بالتأييد على المستويين الإقليمي والعالمي ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر تصريح السيناتور جون ماكين رئيس لجنة الدفاع بمجلس الشيوخ الأمريكي بالقول «لولا تدخل السعودية في اليمن لأصبح الوضع سيئاً».

وواقع الأمر أن التدخل العسكري ليس سوى المرحلة الأولى ضمن الإدارة الخليجية للأزمة اليمنية والتي تتزامن معها المحادثات الجارية حالياً في الكويت وسوف تتلوها مراحل أخرى، وبمنظور إدارة الأزمات فإنّ تطورها عموماً إما أن يكون نحو الانفراج أو التحول نحو سيناريو كارثي بما يجعل الأزمات أكثر خطورة عما ذي قبل، وتأسيساً على ذلك تثار العديد من التساؤلات بشأن مستقبل اليمن بل والأهم شكل العلاقات الخليجية-اليمنية بعد الحرب؟ وعلى الرغم من الواقع البالغ التعقيد لتلك الأزمة كغيرها من الأزمات التي تشهدها دول الجوار حيث تتشابك فيها الأوراق الداخلية مع نظيرتها الإقليمية فإنّ الأزمة اليمنية ربما تؤول إلى أحد سيناريوهات ثلاثة السيناريو الأول: إمكانية تحول اليمن إلى نموذج «الدولة الهشة» التي لن تقتصر تداعياتها على الداخل اليمني ولعل من أهم مؤشرات ذلك هو زيادة حدة التدخلات الإيرانية في الشؤون اليمنية والمؤشرات على ذلك كثيرة منها ما أكّده وزير الإعلام اليمني بالقول «هناك تنسيق كامل بين إيران والانقلابيين والقاعدة، وأن هناك أدلة تؤكد تهريب ثلاث صفقات سلاح أدخلتها إيران خلال أسبوع واحد عبر ميناء المكلا اليمني»، أما السيناريو الثاني: فهو إمكانية انفصال جنوب اليمن في ظل وجود عديد من العوامل التي تدفع في ذلك الاتجاه ومنها ما أعلنه القيادي الجنوبي حيدر العطاس قبيل بدء محادثات السلام اليمنية الجارية حالياً في الكويت حيث أطلق مبادرة سياسية مضمونها إقامة دولة اتحادية بين الشمال والجنوب تتكون من إقليمين لفترة انتقالية مدتها خمس سنوات ثم تتحولان بعد ذلك إلى دولتين فيدراليتين تدخلان في وحدة كونفيدرالية، بينما يتمثل السيناريو الثالث في: استمرار الوضع الراهن وإمكانية تحول اليمن لملاذ آمن للتنظيمات الإرهابية وخاصة أنه لم يتم القضاء على تلك التنظيمات بشكل نهائي بل إنها بدأت في النزوح إلى المناطق الجبلية التي تفصل محافظة أبين عن محافظتي شبوه والبيضاء في ظل استمرار ضربات الجيش اليمني المدعوم من قوات التحالف.

تلك السيناريوهات من شأنها أن ترتب مخاطر أمنية على أمن دول مجلس التعاون ابتداءً باحتمال تدفق اللاجئين على المناطق الحدودية سواء مع المملكة العربية السعودية التي تبلغ حوالي 1800 كم أو الحدود مع سلطنة عمان التي تزيد عن 280كم، ومروراً بإمكانية عدم قدرة الحكومة اليمنية على السيطرة على الحدود وبخاصة البحرية منها ومن ثم تزايد ظاهرة القرصنة مما يهدد الملاحة البحرية في مضيق باب المندب الإستراتيجي الذي يمر منه حوالي 4 ملايين برميل نفط يومياً وانتهاء بتهديد أمن الطاقة حيث بدأت دول مجلس التعاون في إقامة طرق بديلة لنقل النفط الخليجي إلى الخارج ويمر بعضها داخل الأراضي اليمنية، ومن ثم فإنّ استمرار حالة عدم الاستقرار في اليمن تجعل دول المجلس تظل بين شقي رحى التهديد الإيراني لمضيق هرمز شمالاً والتدخلات الإيرانية في اليمن جنوباً.

ويعني ما سبق أن الحديث عن مستقبل العلاقات الخليجية-اليمنية يعد أمراً مهماً انطلاقاً من أن اليمن يعد جزءا أساسياً من النسيج العام لشبه الجزيرة العربية، حيث يرتبط بدول مجلس التعاون على المستويات التاريخية والأثنية والقومية، بما يعني أن التطورات المستقبلية التي يشهدها اليمن ستكون محدداً كبيراً لمنظومة الأمن الإقليمي الخليجي برمتها والتي تظل مرتهنة بقوة الوحدات التي يمثلها هذا الأمن، ووفقاً لهذا التصور فإنّ الارتباط بين دول مجلس التعاون واليمن لا يعد مجرد ارتباط جوار وإنما هو ارتباط مصيري الأمر الذي يدعو إلى التفكير في بعض الصيغ الأمنية التي تربط اليمن بمجلس التعاون، الصيغة الأولى: صيغة 6+1 على غرار (مجلس الناتو-روسيا) ويتطلب ذلك دراسة القيمة المضافة التي يمكن أن يقدمها اليمن (سواء دولة أو دولتين لمجلس التعاون كمنظمة إقليمية) وانعكاس ذلك في الوقت ذاته على اليمن، أما الصيغة الثانية: فتتمثل في تأسيس شراكة بين مجلس التعاون واليمن من خلال اتفاقيات تجمع الطرفين وتمنح اليمن كطرف خارج المجلس وضعًا خاصًا، بينما تتمثل الصيغة الثالثة في ضم اليمن لبعض مؤسسات مجلس التعاون من خلال إعادة آليات سابقة كان معمولاً بها من قبل مع إمكانية استحداث صيغ جديدة بما يتلاءم وتطورات الأزمة اليمنية ذاتها.

ومع أهمية تلك الصيغ فإنها برأيي ستظل مرتهنة بالتطورات التي يشهدها اليمن مستقبلاً على الصعد السياسية والأمنية بل والاجتماعية حيث لا تزال القبلية أحد المعوقات الأساسية للتطور السياسي في اليمن، فضلاً عن التحديات الاقتصادية التي يواجهها اليمن وربما يتطلب الأمر عقد مؤتمر للمانحين من أجل الاتفاق على خطط بعيدة المدى للنهوض بالاقتصاد اليمني كمتطلب رئيسي لتحقيق الاستقرار في اليمن ومن ثم استقرار منظومة الأمن الإقليمي بأسرها.