في نهاية القرن الثامن عشر، تطورت السياسات الخارجية للدول الغربية، فجرى إنشاء منصب «وزير الخارجية» للمرة الأولى، نتيجة ارتفاع أهمية الشؤون الخارجية في هذه الدول، بسبب ما يحدث فيها من أحداث، وأصبحت الدول الحديثة غير قادرة على عزل نفسها عن المجتمع الدولي، على ضوء نهضة العولمة الاقتصادية التي ازدهرت بعد اكتشاف أميركا، واختراع المحرك البخاري. ومن الظواهر الجديدة أيضاً، دعم الدولة لحركات ومنظمات غير حكومية موجودة في دولة أخرى، كجزء من الإستراتيجية الخارجية للدولة الداعمة، مثلاً، الدعم الذي تقدمه فرنسا لمراكز تعليم اللغة الفرنسية، في كل أنحاء العالم، كوسيلة لتعزيز مدى انتشار الحضارة الفرنسية.
وأحياناً يتميز دعم كهذا باقتناع الجهة الداعمة برسالة الحركة أو المنظمة غير الحكومية، في شكلٍ حقيقي وجذري، مثلاً، حينما يدعم اتحاد كرة القدم الإنكليزي أندية كرة القدم في الدول النامية، فإنه يسعى بذلك إلى استمرارية نمو الرياضة، واعتراف المجتمع الدولي بالمملكة المتحدة، باعتبارها مخترعة كرة القدم. لكن نرى أيضاً دعماً قائماً على تداخل موقت في مصالح الطرفين، وربما لأجل المهنية الديبلوماسية، أو رعاية خصوصية سياساتها الخارجية، تتظاهر الحكومة الداعمة باقتناعها برسالة الحركة أو المنظمة غير الحكومية، وتقدم الدعم من دون اعتراف رسمي، بسببه الحقيقي. مثلاً، في حروب الأفيون في القرن التاسع عشر، تظاهرت بريطانيا وفرنسا، باهتمامهما بمبدأ التجارة الحرة، واستخدمتا هذا المبدأ، كمبرّر لغزو الصين، على رغم أن الدولتين كانتا تمارسان التجارة الحرّة، وفق مصلحتهما الخاصة فقط، وسبب الغزو كان مصلحة اقتصادية في فتح الصين.
وأصبح الدعم القائم على المصلحة الموقتة، والتظاهر بأسباب الدعم، أحد أركان السياسة الخارجية لدى كل دول العالم، في العصر الحديث. وفي الوقت الراهن، هناك فرصة أمام الحكومات الخليجية، لتحقيق مكتسبات ملحوظة – من طريق هذه السياسة – خلال الاجتماعات الدورية لمنظمة «أوبك».
يحتل النفط الصخري حيزاً مهماً في مناقشات الاجتماعات الوزارية لـ «أوبك»، وقد يتحدث الأعضاء حول الوسائل الاقتصادية – تحديداً حروب الأسعار – المتاحة للتنافس مع المنتجين الأميركيين، لأن النفط الصخري أصبح عائقاً أساسياً أمام تحقيق ارتفاع في أسعار النفط. فآبار النفط الصخري تتميز بمرونة وسرعة تثبيت، ما يسمح لها بأن تنتج وتغذي السوق حينما ترتفع الأسعار، وكذلك أن تخرج من السوق – بسرعة – إذا تراجعت الأسعار، وبالتالي يقل احتمال التقلبات الحادة، في أسعار النفط الدولية، التي تعوّد عليها المجتمع الدولي، خلال آخر 40 سنة.
لكن الوسائل الاقتصادية التقليدية ليست هي الوسائل الوحيدة المتاحة لمقاومة النفط الصخري. في أي صناعة جديدة – بعد مرور عدد من السنوات – تظهر تأثيرات، لم تكن متوقعة، في وقت الإطلاق، نتيجة قلة خبرة المستخدمين. مثلاً، لم يعلم البشر عن التداعيات الصحية السلبية للتدخين إلا بعد مرور عقود من الزمن على استخدام السيجارة. وفي مجال النفط الصخري، اتضح لمديري المشاريع أن هناك تداعيات بيئية سلبية كبيرة، تنقسم إلى قسمين: أولاً: تسرب المواد التي تُضَخ في الأرض، في المياه الجوفية، ما يتسبب في تلوثها، وثانياً: تزايد الزلازل في المناطق المجاورة للآبار، نتيجة للتفاعل بين المواد المُضخّة والصخور والفوالق الأرضية، ولذلك تشهد اليوم ولاية أوكلاهوما – وهي إحدى الولايات الرائدة في استخراج النفط الصخري – ارتفاعاً ملحوظاً في الهزات الأرضية، حتى أصبح الوضع مقلقاً.
وهناك نشطاء بيئيون أميركيون يعملون على معارضة انتشار استخراج النفط الصخري ويحضون على تقليصه. وحققّت هذه الحركات المتواضعة إنجازات ملحوظة، إذ تمكّنت من إقناع المسؤولين في ولاية نيويورك بمنع التكسير الهيدرولوجي، وهو التقنية الرئيسة لاستخراج النفط الصخري. وإضافة إلى ذلك، تمكّنت منظمات حماية البيئة من إقناع الرئيس باراك أوباما، بعدم إقرار مشروع خط أنابيب «كيستون»، بسبب الأخطار البيئية المتعلقة بالمشروع، على رغم المكتسبات الاقتصادية الكبيرة المتاحة لأميركا في حالة قبولها به.
إذاً يمكن للدول الخليجية البحث في دعم منظمات حماية البيئة، التي لديها نفوذ ملحوظ في أميركا. وفي ظل ضعف شعبية مرشحي الحزب الجمهوري – وبالتالي التوقع بفوز المرشحة الديموقراطية المحتملة هيلاري كلينتون – يُتوقع أن تستمر الحكومة الأميركية في التعاطف مع القضايا البيئية. وتعاني منظمات حماية البيئة من تمويل ضعيف، ومعارضة شديدة، من أصحاب المصلحة الأقوياء، ومنهم التجار والشركات الكبرى. وعلى رغم هذه التحديات، حقّقت هذه المنظمات إنجازات ملحوظة، وبالتالي قد يكون هناك مردود كبير للدول الخليجية – إن دعمتها. وإن استمر الحزب الديموقراطي في سيطرته على البيت الأبيض، واستمر تعاطفه مع الحركات البيئية، قد ترحّب الحكومة الأميركية باهتمام الدول الخليجية، بدعم جهات تسعى إلى تصرفات مسؤولة، حتى ولو قام هذا الاهتمام على تداخل موقت في مصلحة الطرفين.
وفي حالة تقديم دعم لمنظمات كهذه، يجب ألا يكون هذا الدعم مطلقاً ومن دون شروط، فتسعى – حينئذٍ – منظمات حماية البيئة إلى تحقيق أهداف تتناقض مع مصالح الدول الخليجية، ومن هذه الأهداف، تقليل استخدام النفط، والانتقال النهائي إلى الطاقة المتجددة. من أجل ذلك كله، ينبغي على الجهات المسؤولة أن تراقب الدعم الذي تقدمه بتفصيل، وألا تخشى من فرض شروط محدّدة حول السياسات المسموح دعمها، وتتماهى مع النمط المعترف به في السياسة الخارجية الحديثة.