أصدر مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة “دراسات” العدد الحادي عشر من دوريته البحثية المتخصصة “دراسات”، والتي تتناول بالتحليل القضايا الأمنية والدفاعية والاقتصادية من منظور استراتيجي.
وفي افتتاحية العدد الجديد التي جاءت بعنوان “مملكة البحرين وأمن الممرات البحرية”، أكد الدكتور الشيخ عبدالله بن أحمد آل خليفة، رئيس مجلس أمناء المركز ورئيس تحرير الدورية، أن منظومة الأمن البحري في منطقة الخليج العربي شهدت تطورات دراماتيكية، وتهديدات بالغة الخطورة، بعد التفجيرات الإرهابية التي طالت سفن شحن تجارية مدنية، بالقرب من المياه الإقليمية لدولة الإمارات العربية المتحدة، في مايو 2019م، وأعقب ذلك استهداف آخر لناقلتي نفط في خليج عمان، في نسخة جديدة لما أطلق عليه «حرب الناقلات» التي شنتها إيران إبان حرب الخليج الأولى.
وأعادت تلك الأحداث، الحديث عن تأثير الموقع الجغرافي على سياسات الدول، والأهمية الاستراتيجية للمضائق، لا سيّما مضيقي هرمز وباب المندب، فيما يتعلق بأمن الطاقة، وحرية التجارة العالمية، وكذلك مواجهة القرصنة، وجماعات الإرهاب.
وأضاف أن مسألة المضائق والممرات البحرية تأتي في صدارة الاهتمامات الدولية منذ أمد بعيد، باعتبارها نقاط حساسة، تتحكم في نقل السلع وتختصر المسافات، بالإضافة إلى التنافس على التموضع العسكري، وحماية المصالح. وفي هذا الصدد، يرى الأدميرال الأمريكي ألفريد ماهان “أن من يسيطر على البحار يسيطر على التجارة، ومن يسيطر على التجارة يكون الأقوى”.
وتعتبر المضائق والممرات البحرية في الوطن العربي “منحة الجغرافيا ومحنة السياسة”، حيث تشكل التهديدات المحتملة للمضائق في المنطقة قضية أمن وطني لدول الخليج العربي، للحفاظ على تلك الشرايين المائية مفتوحة وآمنة.
وأشار قائلاً أنه غني عن البيان، أن منطقة الخليج العربي، تحتل موقعاً استراتيجياً في معادلة الأمن الدولي، نظراً لما تتمتع به من إمكاناتٍ هائلة في مصادر الطاقة من النفط والغاز، عصب الاقتصاد العالمي، بالإضافة إلى إطلالة جغرافية على أهم المضائق الحيوية.
وفي هذا الإطار، أولت دول مجلس التعاون مسألة الأمن البحري اهتماماً ملحوظاً، ضمن تطوير خيار الدفاع الذاتي، وحماية المياه الإقليمية، إلى جانب الدخول في شراكات وتحالفات دولية، حيث تم إعلان “التحالف العربي لدعم الشرعية فـي اليمن”، في مارس 2015م، ومن ضمن أهدافه حرية الملاحة في مضيق باب المندب، وتأسس “التحالـف الإسلامي العسـكري لمحاربة الإرهاب” فـي ديسـمبر 2015م، وتم إنشاء “مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن”، كما أقر قادة دول مجلس التعاون الخليجي، في عام 2014م، إنشاء “قوة الواجب البحري الموحدة 81″، بهدف صد أية أخطار أو تهديدات بحرية محتملة.
وذكر الدكتور الشيخ عبدالله بن أحمد آل خليفة أنه في خضم تلك الجهود، تضطلع مملكة البحرين بمسؤوليتها تجاه الأمن البحري، وهو ما أكده حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه، بأن “الحفاظ على سلامة الملاحة البحرية، وتأمين الممرات الدولية للتجارة والطاقة، نتحمل جميعاً مسؤولية حمايتها، من منطلق واجبنا تجاه استقرار المنطقة والعالم ككل”، وهي رؤية ذات أبعاد استراتيجية، مبعثها الدور المحوري لمملكة البحرين لحماية الأمن وتعزيز التنمية، سواءً من خلال تفعيل العمل المشترك ضمن منظومة مجلس التعاون، أو من خلال شراكاتها الدولية المتنوعة.
وكانت مملكة البحرين ملتقى الجهود الدولية، لتأمين الملاحة في الخليج العربي من خلال آليتين مهمتين، الأولى: استضافة اجتماع عسكري دولي في يوليو 2019م لمناقشة أمن الملاحة في الخليج العربي، والثانية: استضافة المؤتمر الدولي لأمن الملاحة في الخليج في أكتوبر من العام ذاته.
وذكر أن مملكة البحرين بادرت بإعلان انضمامها إلى تحالف الأمن البحري الدولي، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، لردع الممارسات الإيرانية غير المسؤولة.
وإذا كانت الطفرات التكنولوجية قد أدت، بقدرٍ ما، إلى تراجع دور الجغرافيا في معادلة الأمن، فإن المضائق والممرات المائية قد حافظت على أهميتها الاستراتيجية. كما باتت التكنولوجيا الحديثة تلعب دوراً مؤثراً في ضمان الأمن البحري، وهو الأمر الذي يتطلب عملاً جماعياً لتعزيز الشراكات، ومعاقبة الدول والجهات الراعية للإرهاب والعدوان.
وأشار الدكتور الشيخ عبدالله بن أحمد آل خليفة إلى أن قضية تهديدات الأمن البحري وكيفية توظيف التكنولوجيا الحديثة لمواجهتها قد حظيت بقسط وافر من جلسات مؤتمر “التكنولوجيا العسكرية في الشرق الأوسط”، الذي عُقد في المنامة خلال الفترة 28-30 أكتوبر 2019م، وقام بتنظيم فعالياته مركز “دراسات” ضمن معرض ومؤتمر البحرين الدولي الثاني للدفاع “بايدك”.
مؤكداً أن الاستثمار في الأمن هو الركيزة الأساسية، للتنمية والاستقرار، في ظل التحديات التي تواجه المنطقة والعالم، وفي مقدمتها أمن الملاحة والتجارة، وحماية الممرات المائية، وبما يرسخ مقولة: إن الأمن البحري يشكل جوهر أمن الخليج العربي.
وانطلاقاً مما سبق، فقد أولت دورية “دراسات” اهتماماً كبيراً بهذه القضية، من خلال تخصيص ملف العدد الحالي لـ “تهديدات الأمن البحري في الخليج العربي”، حيث تم تناول القضية من زوايا مختلفة، فضلاً عن عدد من الدراسات ذات الصلة بالقضايا الراهنة.
كما احتوت الدورية على أربعة أبواب رئيسية. ففي قسم الدراسات تعرض الدورية دراستين؛ الأولى بعنوان: “المبادرة السعودية لأمن البحر الأحمر وخليج عدن”، وتتناول الأهمية الجيوسياسية والاستراتيجية للبحر الأحمر، والتنافس الدولي والإقليمي في تلك المنطقة، ثم تحليلاً لمجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن. أما الدراسة الثانية فهي بعنوان: “تجربة سلطنة عمان في تنويع مصادر الدخل: الدروس المستفادة”، وتتضمن الدراسة تحليلاً لمفهوم الاقتصاد الرّيعي وتأثّره بتذبذب أسعار النفط، ثم تتناول تنويع مصادر الدخل من حيث الآليات وطرق التطبيق، وصولاً للحديث عن التجربة العمانية في تنويع مصادر الدخل والدروس المستفادة منها.
أما ملف العدد، فقد جاء بعنوان: “تهديدات الأمن البحري في الخليج العربي والشرق الأوسط”، ويتضمن الملف أربع مساهمات؛ الأولى: بعنوان “التنافس الدولي على الممرات المائية الدولية: التحالف البحري العسكري لتأمين الملاحة في الخليج نموذجاً”، والثانية بعنوان: “حلف الناتو والأمن البحري في الخليج العربي”، أما المساهمة الثالثة، فجاءت بعنوان: “الأمن البحري لدول الخليج: التهديدات والقدرات”، بينما جاءت المساهمة الرابعة بعنوان: “الآثار الاقتصادية لتهديدات الأمن البحري في الخليج العربي”. وتتكامل المساهمات الأربع لتقدم رؤية شاملة لقضية تهديدات الأمن البحري من زوايا مختلفة، حيث قام بإعدادها نخبة من الأكاديميين، كلٌّ في مجال تخصصه.
أما الملف الإقليمي، فقد احتوى على مساهمة واحدة، جاءت بعنوان: “الحرس الثوري الإيراني وتهديد الأمن الإقليمي”، وتتناول نشأة الحرس الثوري، ودوره في تهديد أمن الخليج والأمن الإقليمي، وذلك على خلفية مقتل قائده قاسم سليماني مطلع العام الحالي.
كما تضمن العدد عرضاً لكتب قدمها باحثو المركز ومشاركون من الخارج، تناولت موضوعات مهمة هي: “الدروس المستفادة من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي”، و”سلاح الجو الصيني”، و”قضايا الحوار المتوسطي”، بالإضافة إلى عرض نتائج مؤتمر التكنولوجيا العسكرية في الشرق الأوسط، والذي عُقد في مملكة البحرين خلال الفترة 28-30 أكتوبر 2019م.
دورية دراسات نصف سنوية محكّمة، يرأس تحريرها الدكتور الشيخ عبدالله بن أحمد آل خليفة، رئيس مجلس أمناء المركز، ومدير تحريرها د. أشرف كشك، مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية في المركز.