بشكل مفاجئ ومتسارع تطورت أحداث الأزمة الأوكرانية على النحو الذي يعرفه الجميع، لن أخوض في تحليل أبعاد الأزمة مجددًا ومطالب أطرافها وما سوف تؤول إليه وتبعاتها على هيكل النظام العالمي عمومًا وإنما سوف أحاول الإجابة عن تساؤل رئيسي تم توجيهه إلي من عدة زملاء وأصدقاء: لماذا تطورت الأزمة على هذا النحو؟ صحيح أن القصة معروفة وهي توسع حلف الناتو من خلال ضم جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق وهي التشيك وبولندا والمجر ليتوانيا، لاتفيا، استونيا وسلوفينيا وسلوفاكيا وبلغاريا ورومانيا، وهو الأمر الذي رأته روسيا تمددًا أطلسيا في مجالها الحيوي، فقد كان الصراع الأطلسي-الروسي يوصف بأنه صراع منضبط من دون بلوغ حافة الهاوية، إلا أنه عندما بلغ ذلك الصراع حدود أوكرانيا فإننا أمام أزمة حافة الهاوية والتي تحمل نذر استخدام كل الأسلحة بما فيها النووية، ولماذا أوكرانيا؟ الإجابة ببساطة أنها الدولة العازلة بين قوى كبرى، فما الدولة العازلة؟ وهل ذلك الوضع يعد ميزة للدولة تحمل في طياتها فرصا يجب اقتناصها؟ أم أنه يفرض أعباء يتعين الاستعداد لمواجهتها؟، عندما بحثت في تعريفات مفهوم الدولة العازلة فقد أجمعت تلك التعريفات على أنها دولة تفصل بين حدود قوتين كبيرتين لدى كل منهما من مصادر القوة ما يكفي لردع الآخر ولكن لا توجد لأي منهما قوات داخل تلك الدولة العازلة، إلا أن طبيعة النظام السياسي الحاكم وتوجهاته في تلك الدولة يكون محددًا أساسيًا من محددات ومسارات الصراع بين هاتين القوتين، بمعنى آخر فإن وجود نظام سياسي يؤيد طرفا أو آخر من أطراف الصراع المنضبط يكون سببًا رئيسيًا من بلوغ ذلك الصراع حافة الهاوية، من ناحية ثانية فإن نجاح أي من القوتين المتصارعين في السيطرة على الدولة العازلة وإبقاء قواتها فيها لأمد طويل يعني تحقيق «نوع من الأمن النسبي» لأنها لن يكون بمحاذاة الخصم الآخر بشكل مباشر، بمعنى آخر «بناء حائط استراتيجي» بين هاتين القوتين من خلال توسيع النفوذ عبر تلك الدولة العازلة، والتاريخ يذخر بسعي الإمبراطوريات والدول الكبرى لتأسيس مناطق عازلة ابتداءً بالإمبراطورية المصرية القديمة حيث أقام الفراعنة تلك المناطق مع القوى التي كنت تستهدف أمنهم ومرورًا بظهور ذلك المفهوم لدى القوى الأوروبية في القرن السابع عشر وخاصة في مناطق تتسم بوجود عوامل حماية طبيعية مثل الجبال الشاهقة وانتهاء بوجود حوالي 32 دولة عازلة في العالم الآن وفقًا لتوماس روس أستاذ الجغرافيا بجامعة نورث كارولينا.
الدكتور أشرف كشك ، باحث أول وزميل