إن المتتبع للسياسات الإقليمية لإيران عموماً وتجاه دول الخليج العربي على نحو خاص منذ عام 1979م وحتى الآن يجد أن استراتيجية تصدير الأزمات كانت- ولاتزال- أحد أبرز مضامين تلك السياسات ومضمونها سعي إيران للفت أنظار التيارات السياسية داخل إيران وخاصة تلك التي تعارض توجهات الحكومة الإيرانية بشأن سياسة ما إلى خطر وهمي خارجي يتهدد الأمن القومي الإيراني ويتطلب حتمية دعم تلك التيارات للسياسات الحكومية،وقد بدت تلك الاستراتيجية وبوضوح خلال المظاهرات التي تشهدها إيران منذ 16 سبتمبر 2022م  وحتى الآن  على خلفية مقتل مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق بدعوى مخالفتها قواعد ارتداء الحجاب، فما هي مضامين تلك الاستراتيجية؟ وكيف سعت إيران لتوظيفها لتهديد أمن الخليج العربي من خلال تصدير أزماتها الداخلية؟ وما هو تأثير ذلك على القضايا ذات الصلة بأمن الخليج العربي؟

أولاً: إيران من تصدير الثورة إلى تصدير الأزمات

منذ نجاح الثورة الإيرانية عام 1979م  في الإطاحة بنظام الشاه فقد أعلن القائمون على تلك الثورة منذ البداية أنها ليست ضد نظام سياسي في إيران  فحسب وإنما لها أهداف ذات أبعاد عالمية ، تلك المقولات لم تكن محض شعارات وإنما نص عليها الدستور الإيراني وبوضوح في المادة 152  منه والتي نصت من بين فقراتها على أنه من بين أهداف السياسة الخارجية لإيران “… الدفاع عن حقوق المسلمين في كافة أنحاء العالم”، والمادة 154 والتي نصت أيضاً من بين فقراتها على أن “…. الاستقلال والحرية وسيادة القانون والحق حقاً لجميع شعوب العالم. وعليه، فإنها تدعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في جميع بقاع العالم….”  وهما المادتان التي تراهما إيران  سنداً دستورياً لتدخلاتها الخارجية في شؤون الدول الأخرى وقد وجدتا سبيلهما إلى التطبيق عبر النخب الإيرانية المختلفة وإن تباينت في تطبيقها من حكومة لأخرى بغض النظر عما إذا كانت من تيار المحافظين أو الإصلاحيين، إلا أن الأمر اللافت هو سعي إيران لتصدير أزماتها الداخلية من خلال الإيحاء بوجود خطر داهم يهدد أمنها القومي ويؤكد التاريخ ذلك، ومن ذلك على سبيل المثال احتجاجات الحركة الخضراء عام 2009م وهي احتجاجات واسعة اجتاحت إيران لرفض نتائج الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها الرئيس أحمدي نجاد بولاية رئاسية ثانية على منافسه آنذاك مير حسين موسوي وسميت بالخضراء نسبة إلى اللون الأخضر الذي اتخذه موسوي شعاراً له خلال تلك الانتخابات وكان شعار تلك الاحتجاجات هو”أين صوتي؟”، وخلال تلك الاحتجاجات ازدادت التصريحات الإيرانية العدائية ضد دول الخليج العربي من كافة مسؤولين النظام السياسي في إيران، ومن ناحية ثانية  عندما احتدمت الأمور بين التيارين الأساييين داخل إيران وهما المحافظين والإصلاحيين حول بعض القضايا الداخلية قام الرئيس أحمدي نجاد- آنذاك- بزيارة الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة من جانب إيران في إبريل 2012م تلاها زيارة لقائد الحرس الثوري آنذاك محمد علي جعفري والتي كانت أول زيارة معلنة يقوم بها قائد الحرس الثوري والتي دعا خلالها الدول الإقليمية للتعاون مع إيران وكان لافتاً وجود قائد القوات البحرية في الحرس الثوري  في تلك الزيارة أيضاً ، وقد لوحظ أن زيارات من هذا النوع تثير الكثير من الجدل ليس فقط داخل إيران حيث تهتم الصحف الخليجية عموماً والإماراتية على نحو خاص بها مما يثير حالة من الجدل تجد صداها في الداخل الإيراني بما يوحي للمجتمع الإيراني أن ثمة قضية أمن قومي تتطلب الالتفاف حولها وذلك هو جوهر استراتيجية تصدير الأزمات الداخلية الإيرانية.

ثانياً: استراتيجية إيران لتصدير الأزمات خلال احتجاجات عام 2022م

 على الرغم من أنها ليست المرة الأولى التي تواجه فيها إيران احتجاجات واسعة النطاق حيث كانت هناك احتجاجات في عامي 2017م و2018م وكذلك عام 2009م فإن احتجاجات عام 2022م التئمت تحت مظلتها كافة شرائح المجتمع الإيراني ومن بينها المرأة وكذلك رموز الفن وبعض الرموز السياسية الأمر الذي حدا بالنظام السياسي في إيران لسياسة تصدير الأزمات ، ومع أن تلك السياسة كانت باتجاه دول الجوار الإقليمي والعالم فإن نصيب دول الخليج العربي منها كان كبيراً  لثلاثة أسباب الأول: وجود قضايا خلافية بين دول الخليج وإيران سواء ما يتعلق بتسمية وأمن الخليج العربي ، بالإضافة إلى الخلافات الحدودية والتدخلات الإيرانية في شؤون دول الخليج ، فضلاً عن قضايا البرامج النووية الإيرانية والتسلح التقليدي وجميعها تمثل من وجهة النظر الإيرانية مسوغات لتبرير السياسات الإيرانية تجاه منطقة الخليج العربي، والثاني:إدراك إيران أهمية منطقة الخليج العربي بالنسبة للعالم ومن ثم تسعى إيران لتوظيف تلك الورقة ضمن صراعها مع الولايات المتحدة والدول الغربية عموماً بشأن الملف النووي الإيراني، وقد كان واضحاً أنه كلما تعثرت المفاوضات النووية كلما كان التصعيد الإيراني في ملفات الأمن الإقليمي واضحاً،وفي ظل توجيه إيران الاتهامات لاستخبارات الدول الغربية بتأجيج الاحتجاجات فإن إثارة إيران للخلافات مع دول الخليج العربي كان أحد خياراتها خلال إدارة أزمة تلك الاحتجاجات، والثالث:إدراك الحكومة الإيرانية مدى تأثير إثارة القضايا الخلافية مع دول الخليج العربي على الرأي العام داخل إيران في ظل سياسة العداء الممنهج التي اتبعتها الحكومات الإيرانية المتعاقبة لتكريس تلك التوجهات تجاه دول الخليج ليس أقلها ما تضمنته مناهج التعليم الإيرانية في كافة مراحلها بشأن  دول الخليج العربي مما كرس صورة ذهنية سلبية لدى المجتمع الإيراني عن تلك الدول.

وتأسيساً على ما سبق فقد تمثل تصدير الأزمة الداخلية في إيران لدول الخليج العربي في أربعة مؤشرات:

المؤشر الأول: الادعاءات الإيرانية للسعودية بدعم قنوات  تليفزيونية لتغطية الاحتجاجات

في السابع عشر من أكتوبر 2022م ادعى حسين سلامي القائد العام للحرس الثوري الإيراني أن المملكة العربية السعودية تتدخل في الشؤون الداخلية لإيران من خلال تمويل إحدى القنوات التي تقوم بتغطية الاحتجاجات الإيرانية ومقرها لندن متوعداً  بالرد على ذلك،وبعيداً عن الخوض في تفاصيل تلك الإدعاءات وجميعها تجافي الواقع ولا تستند إلى أدلة ملموسة فإنه يجب قراءتها من زاويتين الأولى: أنه قد جرى العرف أن يكون الخطاب بين الدول عبر بيانات صادرة من المؤسسات السياسية مثل وزارة الخارجية ولكن كما اعتادت إيران فإن التهديدات جاءت على لسان القائد العام للحرس الثوري الذي ترتكز عليه إيران في تنفيذ مشروعها الإقليمي في التدخلات في شؤون دول الجوار ومن ثم فهو تصريح يعني إعادة تأكيد إيران تذكير دول الخليج العربي بأنها أنها القوة الإقليمية المهيمنة على شؤون المنطقة ، وتجدر الإشارة إلى أن الميزانية الإيرانية الجديدة التي أعلنت في يناير 2023م تضمنت زيادة في ميزانية الحرس الثوري بنسبة 28% عن سابقتها على الرغم من الصعوبات المالية التي تواجهها إيران بسبب العقوبات الاقتصادية ويقدر الخبراء الدخل السنوي للحرس الثوري نتيجة سيطرته على العديد من المؤؤسات الاقتصادية في إيران  بحوالي 17 مليار دولار،أما الزاوية الثانية فهي أن تلك التصريحات لقائد الحرس الثوري قد جاءت بمناسبة بدء مناورات عسكرية ضخمة  على الحدود مع أذربيجان في رسالة مفادها أن إيران لاتزال تعلي من مفهوم الأمن العسكري على حساب الأمن التعاوني ومما يؤكد ذلك أن الادعاءات ذاتها جاءت على لسان أحمد وحيدي وزير الداخلية الإيراني بل أنه تناول العديد من القضايا ذات الصلة بالشأن الداخلي السعودي،ونتيجة لذلك تم الإعلان عن توقف جولات الحوار السعودي- الإيراني في ديسمبر 2022م بعد خمس جولات بعدما تم الإعلان أن العراق كان يستعد لتسهيل الجولة السادسة بين الجانبين.

المؤشر الثاني: تسريب أخبار مفادها أن إيران تعد لهجوم وشيك على السعودية

في الثاني من نوفمبر 2022م أوردت صحيفة وول ستريت جورنال أنباء مفادها مشاركة المملكة العربية السعودية معلومات استخباراتية مع الولايات المتحدة الأمريكية بأن إيران تستعد لهجوم وشيك على كل من المملكة ومحافظة إربيل العراقية ولعل الأمر اللافت هو ما نقتله الصحيفة من  تأكيد متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي القول”  نحن قلقون بشأن شكل التهديد، ونبقى على اتصال دائم من خلال القنوات العسكرية والاستخباراتية مع السعوديين. لن نتردد في العمل للدفاع عن مصالحنا وشركائنا في المنطقة”، وعلى الرغم من أن هجوم إيران على أهداف في إربيل ليس بالأمر الجديد من خلال إطلاق العديد من الصواريخ  على تلك المنطقة فإن تضمين المملكة العربية السعودية في تلك  الأنباء يعكس وبوضوح كيفية سعي إيران لتصدير الأزمات في ظل اعتبارين الأول: ما تردد من أن تلك الهجمات سوف تستهدف  البنية التحتية للطاقة في المملكة وهو ما أعاد للأذهان الهجمات التي تعرضت لها المنشآت الحيوية لشركة أرامكو في العام 2019م وكانت تجاوزاً لما يمكن أن يطلق عليه الخطوط الحمراء في الصراعات الإقليمية إذ لم تشهد منطقة الخليج العربي اعتداءات على هذا النحو منذ حرب الناقلات خلال الحرب العراقية- الإيرانية في الثمانينيات،  والثاني: أنه على الرغم من نفي المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية تلك الأنباء بالقول”أن إيران تواصل سياسة حسن الجوار مع جيرانها على أساس الاحترام المتبادل وفي إطار المبادئ والقواعد الدولية، وتسعى لترسيخ وتعزيز الاستقرار والأمن في المنطقة عن إقامة تفاعل بناء مع جيرانها وستواصل ذلك بجدية” فإن حسين سلامي القائد العام للحرس الثوري قال في 4 نوفمبر 2022م “إن الأعداء قد وضعوا قواتهم في حالة تأهب خوفاً من تحرك إيران، متوعداً بأن الانتقام سوف يتم” وهو ما يعكس تناقض الخطاب الإيراني بشأن حقيقة تلك النوايا العدائية ضمن استراتيجية تصدير الأزمات، وعلى الرغم من أن اندلاع مواجهة عسكرية مباشرة في منطقة الخليج العربي يظل أمراً مستبعداً لاعتبارات عديدة فإن الرد الإيراني على تلك المعلومات على لسان عدة مسؤولين بما يستهدف استقطاب اهتمامات الرأي العام في إيران بعيداً عن مسار التظاهرات يأتي ضمن استراتيجية إيران لتصدير الأزمات.

المؤشر الثالث: التهديد الإيراني بإغلاق مضيق هرمز

مع إخفاق المحاولات الإيرانية لإثارة الخلاف مع المملكة العربية السعودية كما سبقت الإشارة لإدراك إيران ثقل ودور المملكة داخل منظومة مجلس التعاون خاصة وعلى الصعيد الإقليمي عموماً، فقد أثارت إيران مجدداً قضية إغلاق مضيق هرمز من خلال افتتاحية كتبها حسين شريعتمداري رئيس تحرير صحيفة كيهان  في 14 ديسمبر 2022م وهو الذي تم تعيينه من جانب المرشد الأعلى، وطالب فيه بإغلاق مضيق هرمز أمام ناقلات النفط والسفن التجاربة التابعة للدول الغربية والاستيلاء على تلك السفن بدعوى التعويض عن الخسائر والأضرار المالية التي لحقت بإيران جراء التظاهرات،ولم تكن هي المرة الأولى التي تتم فيها إثارة إغلاق المضيق أو تعطيل الملاحة البحرية ،ففي يوليو 2012م أقر البرلمان الإيراني قانوناً حظي بموافقة أكثر من نصف الأعضاء يجيز إغلاق إيران للمضيق  فيه، كما أن إيران لديها سيطرة كبيرة على المضيق سواء من خلال احتلال الجزر الإماراتية الثلاث وإحدى تلك الجزر تقع في أعمق نقطة في الخليج العربي بما يعني اضطرار السفن والشاحنات ذات الغاطس الكبير للمرور بالقرب منها، فضلاً عن امتلاك الحرس الثوري لحوالي 700 موقع وميناء ومرسى وجزيرة ونقاطاً مختلفة بالمضيق وهو الجهة التي أوكلت إليها حماية الملاحة البحرية وفق قرار المرشد الأعلى  ومن ثم ترى إيران أن المضيق ورقة مهمة يمكن توظيفها من آن لآخر ضمن الصراع سواء مع الدول الغربية أو دول الخليج العربي  على الرغم من إدراك إيران لحقيقتين الأولى: أن المضيق هو ممر مائي دولي وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1982م ويقع عليها التزامات بضمان المرور البحري الآمن في المضيق، والثانية: أن إغلاق إيران للمضيق أو عرقلة الملاحة فيه سيكون عملاً عدائياً يستوجب التدخل العسكري الدولي الفوري وتقدم عملية الإرادة الجادة التي قادتها إدارة ريجان خلال الحرب العراقية-الإيرانية في الثمانينيات  لحماية ناقلات النفط الخليجية بعد رفع الأعلام الأمريكية دليلاً على ذلك،ووفقاً لتوازن القوى بين إيران والدول الغربية فإن النصر لن حليفاً لإيران،بل أن إيران ستكون هي المتضرر الأول من إغلاق المضيق الذي يعد الشريان البحري الرئيسي لصادراتها للعالم.

المؤشر الرابع: إثارة تسمية الخليج العربي خلال دورة الألعاب الخليجية في العراق

خلال بطولة خليجي 25 التي استضافتها مدينة البصرة العراقية في الفترة من 6-19 يناير 2023م بمشاركة دول مجلس التعاون الخليجي الست والعراق واليمن أعلن حميد رضا سجادي وزير الرياضة والشباب الإيراني  رفضه تسمية الدورة مدعياً أنه تم تحريف اسم الخليج واستخدام اسم غير صحيح من جانب رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا”، فضلاً عن تأكيد ناصر كنعاني المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية أن إيران أعربت للعراق عن إدانتها ورفضها لتلك التسمية وأنها اتخذت إجراءات حيال ذلك ومن بينها استدعاء السفير العراقي في طهران وإبلاغه الاحتجاج الإيراني رسمياً،وعلى الرغم من أن تلك القضية ليست بالأمر الجديد وتعد من القضايا الخلافية بين إيران ودول الخليج العربي بيد أن إيران تدرك مدى ما سوف تثيره من اهتمام ومن ثم لفت الانتباه عن الاحتجاجات الداخلية،وتبدو عدم صحة وعدم  واقعية الحجج  الإيرانية بالنظر إلى أمرين أولهما: أن تلك التسمية توافقت عليها الدول الثماني المشاركة في الدورة ومن بينها اليمن والعراق وبالتالي الاحتجاج الموجه للعراق أمراً يخلو من المنطق، وثانيهما توجد العديد من الوثائق التاريخية بل والممارسات العربية في الخليج عبر حقب زمنية متتالية تؤكد عروبة الخليج،ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر أن تشارلز بلجريف الذي تم تعيينه مستشاراً لحاكم مملكة البحرين قد استخدم مسمى الخليج العربي في مجلة صوت البحرين عام 1955م.

ثالثاً: تأثير تصدير الأزمات على أمن الخليج العربي: الأمن البحري نموذجاً

 إذا كانت الخطط الإيرانية السابقة لتصدير الأزمات الداخلية كانت على مستوى القول فإن ثمة خططاً أخرى كانت على مستوى الفعل وهي زيادة وتيرة تهديدات الأمن البحري،ودون الخوض في المزايا التي يتيحها امتلاك إيران لمنافذ بحرية كثيرة فإن إيران تولي الأمن البحري أهمية كبيرة بل تراه أحد عناصر التفوق في قوتها، ففي ديسمبر عام 2016م  قال محمد باقري رئيس الأركان الإيراني “تنازلنا عن قوتنا النووية ونحن نعوضها الآن ببناء قوة بحرية ستعطينا قيمة أكبر، أسطول عسكري في بحر عمان وأسطول آخر في المحيط الهندي، وبناء قواعد بحرية على سواحل أو جزر في كل من اليمن وسوريا، وتطوير قدرتنا الاستخباراتية العسكرية من خلال طائرات من دون طيار في امتداداتنا البحرية”، وعلى الرغم من أن ذلك التصريح يعود إلى وقت ما قبل الاحتجاجات الراهنة في إيران فإن الواقع يؤكد تنفيذ إيران لتلك الاستراتيجية من خلال عدة مؤشرات أولها: أن إجمالي الحوادث الإيرانية المهددة للملاحة البحرية بلغ 15 حادثاً في عام 2022م  تراوحت بين  مصادرة السفن ، وتهريب الأسلحة والمخدرات  واستخدام الطائرات بدون طيار وزرع الألغام، وثانيها: خلال الكلمة التي ألقاها  رئيس الأركان اليمني الفريق صغير بن عزيز أمام حوار المنامة الأمني الثامن عشر بمملكة البحرين في نوفمبر 2022م أكد على أن “تهديد الحوثيين للملاحة البحرية هو بإيعاز ودعم  مباشر من إيران”، من ناحية ثانية توجد العديد من المحاولات من جانب الحوثيين لتهديد الملاحة البحرية منها إجراء الحوثي تجربة إطلاق صاروخ مضاد للسفن من صنعاء باتجاه البحر الأحمر إلا أنه سقط غرب الحديدة،فضلاً عن محاولات استهداف شاحنات للنفط وكذلك موانئ نفطية غير ذي مرة خلال العام 2022م،وثالثها: زيادة وتيرة تهريب الأسلحة الإيرانية للحوثيين ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر في الخامس عشر من يناير 2023م أعلنت القوات البحرية الفرنسية عن استيلاء قواتها البحرية الخاصة على زورق محمل بالأسلحة والذخائر كان في طريقه من إيران للحوثيين وقد تم العثور على أكثر من 3 آلاف بندقية هجومية ونصف مليون طلقة و20 صاروخاً مضاداً للدبابات وفي الثاني والعشرين من الشهر ذاته  أعلنت السلطات الأمنية اليمنية تفتيش شاحنة تم إيقافها في الخامس من الشهر ذاته عبر إحدى المنافذ البرية بمحافظة المهرة،وقد تم العثور فيها على 100 محرك خاص بالطائرات بدون طيار كانت في طريقها إلى الحوثيين وتلك أمثلة على سبيل المثال لا الحصر، ومع أن استراتيجية إيران لإبقاء حالة التوتر الإقليمي بشكل مزمن هي استراتيجية قديمة تستهدف وضع دول الخليج العربي بين شقي رحى مضيق باب المندب جنوباً ومضيق هرمز شمالاً ومن ثم العمل على استنزاف القدرات الأمنية لدول الخليج العربي فإنه يلاحظ زيادة وتيرة تلك التهديدات تزامناً مع الاحتجاجات الداخلية التي تشهدها إيران.

خلاصات الورقة

  • على الرغم من أن مبادئ السياسات الخارجية لدول الخليج العربي تنص وبوضوح على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى فإن السياسات الإيرانية تجاه منطقة الخليج العربي منذ عام 1979م وحتى الآن قد جاءت بشكل مغاير إذ كانت دول الخليج العربي مجالاً لتصدير الأزمات الداخلية في إيران والأمثلة على ذلك عديدة.
  • لم تؤد استراتيجية تصدير الأزمات إلى توتر العلاقات الإيرانية الخليجية فحسب بل إجهاض كافة المساعي الخليجية للحد من التوترات الإقليمية ومن ذلك توقف الحوار السعودي- الإيراني بعد خمس جولات .
  • في ظل إعلان إيران غير ذي مرة بأن أمن الخليج العربي مسؤولية دوله وبالتالي ترفض الوجود الأجنبي في منطقة الخليج فإن إيران يجانبها الصواب في أمرين الأول:أن بداية التدخل العسكري الغربي في الخليج العربي كان خلال عملية الإرادة الجادة إبان الحرب العراقية- الإيرانية وكان السبب الرئيسي لذلك التدخل هو حماية ناقلات النفط الخليجية خلال تلك الحرب ، والثاني: أن الممارسات الإيرانية الراهنة التي تستهدف تهديد الملاحة البحرية من شأنها أن تزيد من الجبهة الدولية ضد إيران بالنظر لحيوية ومحورية الممرات المائية للاقتصاد العالمي.
  • بالرغم من أن الاحتجاجات الإيرانية تحدياً هائلاً للنظام السياسي في إيران بيد أنها لم تكن منشأة للتصورات الإقليمية والدولية بشأن طبيعة ذلك النظام ولكنها كانت كاشفة لسياسات تصدير الأزمات كجزء من آليات الحفاظ على بقائه.
  • في الوقت الذي تؤسس السياسات الإقليمية لدول الخليج العربي على تحقيق التوازن بين معطيات الجغرافيا ومتطلبات السياسة فإن إيران لاتزال ترى أن لديها مشروع إقليمي يجب أن تكون فيه الدولة القائد وهو أمر يجافي متطلبات نجاح أي ترتيبات للأمن الإقليمي في تجارب مماثلة في مناطق مختلفة من العالم.

المصدر 

الدكتور أشرف كشك، باحث أول