يعد‭ ‬فوز‭ ‬الرئيس‭ ‬المنتخب‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬الأمريكية‭ ‬2024م‭ ‬عودة‭ ‬تاريخية‭ ‬بعد‭ ‬إقصائه‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬2020م،‭ ‬ووعد‭ ‬عند‭ ‬فوزه‭ ‬بإنهاء‭ ‬الحروب‭ ‬الإقليمية،‭ ‬وتشديد‭ ‬الرقابة‭ ‬على‭ ‬الحدود،‭ ‬والنهوض‭ ‬بالاقتصاد‭ ‬الأمريكي،‭ ‬وفرض‭ ‬السياسات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تؤثر‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬على‭ ‬اقتصادات‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭. ‬فمن‭ ‬إحدى‭ ‬أهم‭ ‬السياسات‭ ‬التي‭ ‬سيتطرق‭ ‬إليها‭ ‬عند‭ ‬تسلمه‭ ‬زمام‭ ‬الإدارة‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬هي‭: ‬رفع‭ ‬التعريفات‭ ‬الجمركية‭ ‬على‭ ‬الواردات‭ ‬من‭ ‬الصين‭ ‬وأوروبا‭ ‬وأمريكا‭ ‬اللاتينية‭ ‬وباقي‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لتعزيز‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الأمريكي،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬خفض‭ ‬ضريبة‭ ‬الشركات‭ ‬إلى‭ ‬15‭ ‬بالمئة‭ ‬من‭ ‬النسبة‭ ‬الحالية‭ ‬21‭ ‬بالمئة،‭ ‬وإصدار‭ ‬تراخيص‭ ‬واسعة‭ ‬لمشاريع‭ ‬الطاقة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والاستثمار‭ ‬في‭ ‬مشاريع‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬المتقدمة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬السياسات‭ ‬التي‭ ‬سيكون‭ ‬لها‭ ‬تأثير‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الأمريكي‭ ‬والدولي‭.‬

ولفهم‭ ‬التوجه‭ ‬الاقتصادي‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬الولاية‭ ‬القادمة‭ ‬لترامب،‭ ‬فأود‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬ثلاثة‭ ‬محاور‭ ‬رئيسية‭ ‬لتأثير‭ ‬هذه‭ ‬السياسات‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬وأهمها‭: ‬سوق‭ ‬الطاقة،‭ ‬معدل‭ ‬الفائدة،‭ ‬والتعريفات‭ ‬الجمركية‭. ‬بناء‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المحاور،‭ ‬سيتحدد‭ ‬المسار‭ ‬الاقتصادي‭ ‬للدول‭ ‬الخليجية‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأربع‭ ‬القادمة‭.‬

عند‭ ‬إعلان‭ ‬فوز‭ ‬الرئيس‭ ‬المنتخب‭ ‬ترامب،‭ ‬نمت‭ ‬سوق‭ ‬الأسهم‭ ‬الأمريكية‭ ‬S‭&‬P‭ ‬500‭ ‬لمستويات‭ ‬عالية،‭ ‬وقام‭ ‬البنك‭ ‬الفيدرالي‭ ‬بخفض‭ ‬نسبة‭ ‬الفائدة‭ ‬بحوالي‭ ‬0‭.‬25‭ ‬بالمئة،‭ ‬وانخفض‭ ‬سعر‭ ‬النفط‭ ‬الخام‭ ‬بنسبة‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬حوالي‭ ‬4‭ ‬بالمئة‭ ‬مع‭ ‬ارتفاع‭ ‬مخزون‭ ‬الخام‭ ‬الأمريكي،‭ ‬واستقر‭ ‬الدولار‭ ‬بنسبة‭ ‬2‭ ‬بالمئة‭.‬

ولكي‭ ‬نعرف‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬للسياسات‭ ‬المستقبلية‭ ‬أن‭ ‬تؤثر‭ ‬في‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬الخام،‭ ‬فقد‭ ‬أعلن‭ ‬مسبقاً‭ ‬أنه‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬خفض‭ ‬أسعار‭ ‬الطاقة‭ ‬في‭ ‬بلاده‭ ‬لتعزيز‭ ‬الاقتصاد‭ ‬وخفض‭ ‬نسب‭ ‬التضخم‭ ‬الحالية،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬سيتم‭ ‬السماح‭ ‬بالمزيد‭ ‬من‭ ‬التنقيب‭ ‬عن‭ ‬النفط‭ ‬والغاز،‭ ‬ومنح‭ ‬الموافقة‭ ‬على‭ ‬مشاريع‭ ‬خطوط‭ ‬أنابيب‭ ‬النفط‭ ‬المتوقفة،‭ ‬وبناء‭ ‬مصافي‭ ‬نفط‭ ‬ومفاعلات‭ ‬نووية‭ ‬جديدة،‭ ‬وإزالة‭ ‬أي‭ ‬عوائق‭ ‬تعيق‭ ‬صناعات‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬والفحم‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬سيؤدي‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬الإنتاج‭ ‬الأمريكي‭ ‬للطاقة‭ ‬وتدفق‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬البراميل‭ ‬الإضافية‭ ‬بعد‭ ‬إنهاء‭ ‬الحرب‭ ‬الأوكرانية‭ ‬الروسية‭ ‬والسماح‭ ‬لروسيا‭ ‬بتصدير‭ ‬النفط‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭.‬

ولكن‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬النفط‭ ‬الجديد‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تراخيص‭ ‬التنقيب‭ ‬سيتدفق‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬العالمية،‭ ‬حيث‭ ‬يستغرق‭ ‬الأمر‭ ‬عدة‭ ‬سنوات‭ ‬حتى‭ ‬تتحقق‭ ‬هذه‭ ‬المشاريع،‭ ‬وليس‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬يضمن‭ ‬أنه‭ ‬سيكون‭ ‬هناك‭ ‬طلب‭ ‬على‭ ‬البراميل‭ ‬الإضافية‭ ‬المنتجة‭ ‬بحلول‭ ‬هذه‭ ‬السنوات‭.‬

وهناك‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬ستنتج‭ ‬عن‭ ‬انخفاض‭ ‬أسعار‭ ‬الطاقة‭ ‬لمستويات‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تحققت‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬ولاية‭ ‬الرئيس‭ ‬بايدن‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬بحوالي‭ ‬80‭ ‬دولارا‭ ‬أمريكيا‭ ‬للبرميل‭.‬

دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬المصدرة‭ ‬قد‭ ‬تتأثر‭ ‬من‭ ‬انخفاض‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬ودخلها‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬برميل‭ ‬منتج،‭ ‬ولكن‭ ‬ليس‭ ‬بالصورة‭ ‬الكبيرة‭ ‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬انخفضت‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬لـ‭ ‬65‭ ‬دولارا‭ ‬أمريكيا‭ ‬للبرميل‭.‬

ونتيجة‭ ‬لانخفاض‭ ‬أسعار‭ ‬نفط‭ ‬الخام‭ ‬وسياسة‭ ‬خفض‭ ‬نسبة‭ ‬ضريبة‭ ‬الشركات‭ ‬إلى‭ ‬15‭ ‬بالمئة،‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬تنمو‭ ‬عائدات‭ ‬الشركات‭ ‬وتنخفض‭ ‬تكاليفها‭ ‬التشغيلية،‭ ‬مما‭ ‬سيؤدي‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬في‭ ‬الأسهم‭ ‬الأمريكية‭.‬

ولكن‭ ‬النمو‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الأمريكي‭ ‬والعجز‭ ‬المتوقع‭ ‬في‭ ‬الميزانية‭ ‬الأمريكية‭ ‬سيجبر‭ ‬البنك‭ ‬الفيدرالي‭ ‬على‭ ‬كبح‭ ‬جماح‭ ‬التضخم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬رفع‭ ‬معدل‭ ‬الفائدة،‭ ‬مما‭ ‬سيؤدي‭ ‬إلى‭ ‬رفع‭ ‬معدل‭ ‬الفائدة‭ ‬في‭ ‬البنوك‭ ‬المركزية‭ ‬لدول‭ ‬المجلس‭ ‬التي‭ ‬ترتبط‭ ‬عملاتها‭ ‬بالدولار‭ ‬الأمريكي،‭ ‬حينها‭ ‬ترتفع‭ ‬تكلفة‭ ‬الاقتراض‭ ‬في‭ ‬اقتصادات‭ ‬دول‭ ‬المجلس،‭ ‬مما‭ ‬قد‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬بطء‭ ‬النشاط‭ ‬التجاري‭ ‬والاستثماري‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬أن‭ ‬دول‭ ‬المجلس‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬تمويل‭ ‬مشاريع‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬الضخمة‭ ‬وتعزيز‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬لتنويع‭ ‬اقتصاداتها‭. ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬حيز‭ ‬مالي‭ ‬مرتفع،‭ ‬لن‭ ‬تضطر‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬إلى‭ ‬خفض‭ ‬الإنفاق‭ ‬العام‭ ‬أو‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬استراتيجيات‭ ‬تمويل‭ ‬بديلة‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬ميزانياتها‭ ‬ومبادرات‭ ‬النمو‭.‬

وفيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالسياسات‭ ‬الحمائية‭ ‬من‭ ‬رفع‭ ‬التعريفات‭ ‬الجمركية،‭ ‬فعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬توقيع‭ ‬بعض‭ ‬دول‭ ‬المجلس‭ ‬لمعاهدة‭ ‬التجارة‭ ‬الحرة‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬لن‭ ‬يمنع‭ ‬ذلك‭ ‬ترامب‭ ‬من‭ ‬رفع‭ ‬التعريفات‭ ‬الجمركية‭ ‬على‭ ‬شركات‭ ‬الحديد‭ ‬والألمنيوم‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬المجلس‭ ‬بنسبة‭ ‬20‭ ‬بالمئة،‭ ‬لذلك‭ ‬قد‭ ‬تقوم‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬بالبحث‭ ‬عن‭ ‬شريك‭ ‬تجاري‭ ‬كالهند‭ ‬لتصدير‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المنتجات‭. ‬علماً‭ ‬أن‭ ‬سياسة‭ ‬رفع‭ ‬التعريفات‭ ‬الجمركية‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬سيؤدي‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬الأسعار‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الأمريكي،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يعكس‭ ‬رؤية‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لكبح‭ ‬جماح‭ ‬التضخم‭ ‬في‭ ‬الأسعار‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬لن‭ ‬تتأثر‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬السياسات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬القادمة‭ ‬نتيجة‭ ‬لسياسات‭ ‬التنويع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاستثمارات‭ ‬الخليجية‭ ‬الواسعة‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الأمريكي‭ ‬ودول‭ ‬العالم‭ ‬وعلاقاتها‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭ ‬وآسيا‭ ‬وأوروبا‭. ‬فهناك‭ ‬خطط‭ ‬بديلة‭ ‬يمكن‭ ‬لكلا‭ ‬المستثمرين‭ ‬وصناع‭ ‬القرار‭ ‬اتخاذها‭ ‬لتقليل‭ ‬تأثير‭ ‬هذه‭ ‬السياسات‭ ‬على‭ ‬المستويات‭ ‬المحلية‭.‬

المصدر: أخبار الخليج

على فقيه، أستاذ مشارك