دول الخليج وتعزيز الشراكات الاستراتيجية الدولية: العلاقات الخليجية-الأمريكية نموذجًا
كانت -ولا تزال- منطقة الخليج العربي محط أنظار القوى الكبرى ليس من منظور أهميتها الاستراتيجية فحسب سواء فيما يتعلق بالنفط أو الموقع الاستراتيجي، بل لأسباب أخرى ترتبط بالأزمات الإقليمية الراهنة عمومًا والتي تتفاعل معها تلك الدول تأثرًا وتأثيرًا بما يعزز الأمن الإقليمي الذي لا ينفصل عن مجمل الأمن العالمي، وينعكس ذلك في الشراكات الاستراتيجية لدول الخليج ومن بينها الشراكة الخليجية-الأمريكية، إذ تولي الولايات المتحدة الأمريكية الأمن في تلك المنطقة أهمية بالغة، وخاصة في ظل تغير طبيعة التهديدات الأمنية التي أضحت غير تقليدية، إذ لا تعتمد على العمل العسكري المباشر بقدر اعتمادها على تعزيز التعاون الاستخباراتي ورفع كفاءة الأجهزة الأمنية والدفاعية، وهو ما تعكسه أوجه التعاون العديدة بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربي، وقبيل الحديث عن أهمية هذه الشراكة فإن التساؤل المنطقي هو: ما السمات التي تميزها عن غيرها من الشراكات الأخرى؟ وأتصور أن هناك ثلاث مميزات لتلك الشراكة أولها: وجود إطار مؤسسي تنتظم خلاله الشراكة الخليجية-الأمريكية ليس أقلها مبادرة حوار أمن الخليج العربي التي طرحتها الولايات المتحدة عام 2006 وتستهدف التشارو بين الجانبين حول ستة مجالات أمنية ودفاعية من خلال لقاءات ثنائية تعقد بين الجانبين على مدار العام، وثانيها: تعدد جوانب تلك الشراكة والتي لا تختزل في الأبعاد العسكرية والأمنية بل تتجاوزها إلى الجوانب الاقتصادية والتي تعد ضمن الركائز الأساسية لتلك الشراكة ومن ذلك قرار المملكة العربية السعودية زيادة إنتاج النفط في يونيو 2018 بنحو 330 ألف برميل يوميًا ليصل إجمالي الإنتاج إلى 10.3 ملايين برميل يوميًا، ويعد أعلى معدل زيادة خلال خمس سنوات مضت بما يعكس إدراك المملكة لمسؤوليتها تجاه الأمن الاقتصادي للشركاء، وثالثها: القدرة على حسم الأزمات فالولايات المتحدة الأمريكية مع شركائها من الدول الغربية هم من تصدوا للاعتداءات الإيرانية على ناقلات النفط الخليجية إبان الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات، فضلاً عن قيادة تحالف دولي لتحرير دولة الكويت عام 1991.