مع أن حلف شمال الأطلسي «الناتو» الذي أسس عام 1949 يعد منظمة دفاعية بالأساس فإن التحولات العالمية والإقليمية وخاصة منذانتهاء الحرب الباردة عام 1990 حتى الآن قد أوجدت تهديدات أمنية جديدة وفي مقدمتها الإرهاب الذي عبرت عنه أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، تلك الأحداث التي كانت تحديًا هائلا أمام الحلف لاستهدافها الولايات المتحدة أكبر أعضاء الحلف إلى الحد الذي دفع بمسؤول أمريكي إلى القول «إما أن يتطور حلف الناتو وإما أن ينتهي»، ولم يكن ذلك انتقادًا للحلف بقدر ما كان دعوة للحلف إلى تطوير آليات المواجهة لتكون الاستجابة على قدر التحدي، بما يعنيه ذلك من إمكانية عمل الناتو خارج أراضيه وهو ما حدث بالفعل من خلال تجربة الحلف في أفغانستان، وقد كان هناك إدراك مبكر للغاية من جانب أعضاء حلف الناتو لمخاطر الإرهاب إذ لم يكن ذلك مرتبطًا بالتحولات الإقليمية عام 2011. ففي نوفمبر 2006 أجمع رؤساء دول الحلف على أن «الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل هما الخطران الرئيسيان المرجح أن يواجههما الحلف خلال العشرة أو الخمسة عشر عامًا القادمة»، وواقع الأمر لم يكن ذلك سوى ترجمة عملية لمضمون المادة الخامسة من الميثاق المنشئ للحلف والتي تعد الأساس الذي يرتكز عليه جوهر عمل الناتو ومضمونها أن أي هجوم مسلح على دولة أو أكثر من دول الحلف يعتبر هجومًا على الدول الأعضاء كافة.
وربما يثار تساؤل مفاده ما هي المقومات التي لدى الحلف بما تجعله طرفًا في الجهود الدولية لمواجهة الإرهاب عمومًا ولدى الشركاء خاصة؟ والإجابة عن ذلك التساؤل تتمثل في إعلان الحلف الانضمام إلى التحالف الدولي لمحاربة داعش، فلديه قدرات عسكرية تتسم بالتنظيم والمرونة بل والشمول حيث إنها موزعة في أنحاء مختلفة من العالم تؤهله لتلك المهمة، بل يلاحظ حرص الحلف على تطويرها من آن إلى آخر واستحداث ما يلزم من آليات أخرى لمواجهة المستجدات الأمنية ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر آليتان الأولى: إعلان الحلف تأسيس قوات رأس الحربة في قمة ويلز 2014 والتي تتضمن قوات من كافة أفرع القوات المسلحة ومنها القوات البحرية ولديها القدرة على الانتشار والعمل خلال 24 ساعة، والثانية: إعلان إنشاء مركز قيادة استراتيجي للحلف في مدينة نابولي الإيطالية في سبتمبر 2017 وتتمثل مهمة ذلك المركز في الإشراف على عمليات الحلف في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والساحل وإفريقيا وجنوب الصحراء وذلك من خلال فهم وتنسيق الاستجابة للتحديات الاستراتيجية التي تواجه الحلف على الجبهة الجنوبية، فضلاً عن تجربة الحلف في مجال إدارة الأزمات وخاصة بشأن الإرهاب الإلكتروني ومن ذلك حالة استونيا التي شهدت هجومًا إلكترونيا عام 2007 حيث بادر الحلف بإرسال خبراء في تكنولوجيا المعلومات للمراقبة وتقديم المساعدات اللازمة لها بل والحرص على تأسيس وحدات لمكافحة الإرهاب الإلكتروني لاحقًا ضمن استراتيجية متكاملة في هذا الشأن، كما كان لمخاطر الإرهاب النووي حيزًا كبيرًا من اهتمام الحلف من خلال تأسيس فرق عمل تعمل على مدار 24 ساعة لتقييم مخاطر محتملة من هذا النوع.
وربما تكون تلك الجهود معروفة للبعض لكن التساؤل المهم هو ما هي أوجه استفادة شركاء الحلف الإقليميين منها؟ واقع الأمر أن تلك الاستفادة تجد ذاتها في ثلاثة مؤشرات أساسية الأولى: أن التصدي للإرهاب يعد بندًا أساسيا ضمن الشراكات التي أطلقها حلف الناتو عمومًا وتجاه الشرق الأوسط ومنطقة الخليج على نحو خاص من خلال مبادرة الحوار المتوسطي التي أطلقها الحلف عام 1994 ومبادرة اسطنبول التي أطلقها الحلف عام 2004 بما يعنيه ذلك من أن قضية مكافحة الإرهاب قضية تحظى بنقاش ضمن لقاءات الحلف والشركاء وعلى نحو خاص ضمن إقرار برامج الشراكات الفردية، وثانيها: يرى الحلف أنه يجب تعزيز قدرات الشركاء لمواجهة خطر الإرهاب انطلاقًا من قدرتهم على فهم طبيعة البيئة الأمنية ومن ثم فقد أطلق برامج لتدريب قوات الأمن العراقية ضمن اتفاق مع الحكومة العراقية في هذا الشأن، وربما يتكرر الأمر ذاته في ليبيا مستقبلاً وهي تجارب جديرة بالدراسة، وثالثها: زيادة درجة الوعي لدى الشركاء من خلال الدورات التدريبية في مجالات أمنية محددة وهي المهمة التي سوف يضطلع بها المركز الإقليمي للحلف الذي افتتح في الكويت في يناير 2017.
وأتصور أن دول الخليج أعضاء مبادرة اسطنبول قد استفادت من بعض خبرات الناتو، فالكويت على سبيل المثال شاركت في حوالي 60 نشاطًا من أنشطة الحلف سواء الدورات التدريبية أو ورش العمل خلال الفترة من عام 2004 حتى عام 2017، إلا أنه يمكن لدول الخليج تعظيم الاستفادة من الحلف من خلال دراسة تجارب الحلف بشأن الإرهاب الإلكتروني وكيفية التعامل مع أزمات من هذا النوع، فضلاً عن الاستفادة من آلية عمل القوات البحرية للحلف ضمن مواجهتها مخاطر تهديد طرق الملاحة البحرية في ظل تنامي مخاطر الإرهاب البحري، بالإضافة إلى بحث آلية تبادل المعلومات بين أعضاء الحلف بشأن تقييم المخاطر الأمنية.
ووفقًا لما شهده الحلف من تطور إبان حقبة ما بعد الحرب الباردة فإنه يقدم العديد من الدروس المستفادة والتي يمكن أن يطلق عليها «القيمة المضافة للأمن» على حد تقرير وزارة الخارجية الأمريكية بشأن مكافحة الإرهاب والصادر عام 2017 والذي تضمن أن «القيمة المضافة» التي يمكن أن يقدمها حلف الناتو بشأن مكافحة الإرهاب تتمثل في الأجزاء الثلاثة لاستراتيجيته الحالية وهي زيادة الوعي بشأن التهديدات، وتطوير قدرات مكافحة الإرهاب، وتعزيز انخراط الشركاء.
ومع أهمية ما سبق فإن مدى استفادة الشركاء من الحلف برأيي سوف تظل مرتهنة بما قد يقدمه الحلف، وهو أمر ربما يتطلب نقاشًا مطولاً حول سبل تعزيز الشراكة الحقيقية بين الجانبين التي يجب أن تبنى ليس فقط على إدراك الحلف للاحتياجات الأمنية للشركاء بل وترجمتها إلى آليات تعاونية ملموسة.
{ مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية
مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة