شهد العالم منذ مطلع القرن الحادي والعشرين تحولاً متسارعاً نحو اقتصاد المعرفة، الذي يقوم أساساً على المهارات المتقدمة والمعلومات والتكنولوجيا.
ولهذا بات الاهتمام بهذه المجالات ركيزة أساسية في الخطط التنموية للعديد من الدول العربية، سعياً منها إلى تعزيز الابتكار وتطوير التعليم بهدف تحويل المعرفة العلمية والمعلومات إلى قيمة اقتصادية مستدامة.
وذلك بما يضمن مواكبة التطورات المتسارعة وتعزيز القدرة التنافسية في عصر يعتمد على المعرفة كمحرك رئيسي للنمو والتنمية. وتشير بعض الدراسات إلى أن زيادة الإنفاق على البحث والتطوير (R&D) بنسبة 1% يمكن أن تؤدي إلى نمو اقتصادي متوسط قدره 0.6%.
ولذا نجد على سبيل المثال كلاً من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية أوليتا اهتماماً كبيراً بهذا القطاع، فقد عينت الإمارات في عام 2017 وزيراً للدولة للعلوم المتقدمة، ويتولى كذلك رئاسة مجلس العلماء.
بينما أنشأت المملكة العربية السعودية في عام 2021 هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار، لأجل قيادة البحث والتطوير، والمساهمة في اقتصاد مزدهر يركز على الابتكار من أجل الإنسانية.
وبسبب هذا الاهتمام فقد شهد الإنتاج البحثي الأكاديمي في دولة الإمارات نمواً هائلاً، حيث تضاعف بمقدار 16 مرة خلال العقدين الماضيين.
أما في المملكة العربية السعودية فقد أصبح للعديد من المؤسسات العلمية درو محوري في دعم التقدم العلمي والابتكار والتنمية الاقتصادية، وبالأخص جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (KAUST)، ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية (KACST).
إلا أنه ما ينبغي التنبه إليه عند تبني هذا النموذج الاقتصادي الرائد، هو صعوبة فك الارتباط بين تحقيق نمو اقتصادي مستدام من غير استنزاف للموارد الطبيعية.
وفي هذا السياق، فقد نُشرت دراسة علمية في عام 2019 تحت عنوان «اقتصاد المعرفة: مفتاح التنمية المستدامة؟» بهدف دراسة العلاقة بين مؤشر اقتصاد المعرفة ومعدلات النمو الاقتصادية مع مجموعة من مؤشرات استهلاك الموارد، وذلك بهدف تقييم هذا النموذج الاقتصادي.
وقد أظهرت نتائج الدراسة، والتي شملت الفترة بين عامي 1995 و2012، أن كل النماذج الاقتصادية التي تبنت اقتصاد المعرفة لم تتمكن من تقليل الاعتماد على الموارد الطبيعية، على الرغم من تزايد ندرتها وارتفاع تكلفتها في بعض الدول.
ورغم التحديات التي تواجه تطوير هذا النموذج الاقتصادي، فإن الحل يكمن في ظني في توظيف مبادئه ذاتها لمعالجة تحدياته.
وكما يُقال: «وداوِها بالتي كانت هي الداء»، وذلك كون اقتصاد المعرفة يقوم أساسًا على الابتكار والمعرفة والإبداع والبحث العلمي، وهي الأدوات المناسبة لمواجهة التحديات الكبرى.
وينبغي أيضاً أن لا ننسى أن هذه الإشكاليات تمس جميع الدول التي تتبنى هذا النموذج، ولذا فإن التصدي لها يستلزم حلولاً دولية قائمة على التعاون المشترك من أجل إيجاد أطر علمية وتشريعية تضمن تحقيق نمو مستدام من غير الإضرار بالموارد الطبيعية أو البيئية.
المصدر: صحيفة الوطن
الدكتور عبدالله العباسي، مدير برنامج الطاقة والبيئة