إن وادي الموت «Valley of Death»: هو مصطلح يتناول المرحلة الحرجة في عمر الشركات الناشئة، والتي تتمحور حول تحويل الابتكارات من مجال البحث والتطوير (R&D) إلى منتجات ذات ربحية. وتشكل هذه الفترة الزمنية فترة عصيبة على رواد الأعمال والعلماء على حد سواء، فعلى الرغم من كون الابتكار قد يكون مثبتاً من الناحية العلمية نظرياً ومختبرياً، إلا أنه لا يمكن تسويقه على أرض الواقع. وذلك لأسباب عديدة قد يكون منها ارتفاع التكلفة الأولية للإنتاج، أو عدم جاهزية السوق لمثل هذه الابتكارات، أو غيرها من التحديات التي تجعل بعض الأفكار الرائدة في طي النسيان والضياع. ولهذا فإن التقديرات تشير إلى أن فقط ما نسبته 20% إلى 25% من الشركات الناشئة التي تتلقى دعماً أولياً في الولايات المتحدة تتمكن من الاستمرار في السوق، أما في أوروبا فإن النسبة تنخفض إلى 10% إلى 15% كما تظهر مؤشرات عام 2024م.ويمثل العبور إلى وادي الموت أحد المحطات الطويلة التي قد يسلكها رواد الأعمال، والتي تستدعي العمل الدؤوب والمثابرة. وقد يكون الحال أشد صعوبة إذا كان العالم هو صاحب الفكرة التي يريد تطويرها، ويسعى لأن تكون حلاً لأحد كبرى المشاكل التي يواجهها العالم. وذلك لكونه أكثر فهماً لتعقيداتها، وبإمكانية تطبيقها لمعالجة القضايا الشائكة، وبالأخص القضايا المتعلقة بالصحة والمناخ.وأود هنا أن أستحضر تجربة البروفيسور مارك هولتزابل، أستاذ الهندسة الكيميائية في جامعة تكساس A&M، والذي قاده شغفه العلمي إلى العمل على تطوير حلول تواجه الاحتباس الحراري، وتعزز استدامة الطاقة عن طريق تحويل النفايات والكتلة الحيوية إلى وقود ومواد كيميائية أساسية. وقد أسهمت ابتكاراته في جذب العديد من المستثمرين للعمل معه في تقنياته المختلفة، والتي مازالت تعيش في وادي الموت. وأذكر كلمته في محاضرته في جامعة البحرين حيث أشار: «إنني أقبع في وادي الموت منذ أكثر من 40 سنة، وأعمل لجعل ابتكاراتي ترى النور بكل السبل الممكنة، ولو لم أفعل ذلك فلا أعرف ماذا أفعل؟».إن مثل هذه الاختراعات والجهود تشكل خطوة محورية في مواجهة التغير المناخي، الذي يُعدّ أحد أكبر التهديدات التي تواجه البشرية، وفقاً لتقرير المخاطر العالمية لعام 2024 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، والمستند إلى استطلاع آراء أكثر من 1,400 خبير. ولايعني هذا أن السبُل الأخرى لمواجهة التحدي المناخي ليست ذات أهمية، فكل السبل ينبغي أن تطور وتتكامل. ولكن مايميز هذا الطرح أنه يضمن النمو المستدام للقطاعات الناشئة من غير أن يسبب أضراراً بيئية، وهو الأمر المنسجم مع النمو المستدام للاقتصاد المبنى على المعرفة. ولعل التحدي الذي يواجهنا اليوم هو كيف يمككنا أن نعبر بهذه الأفكار الرائدة بسرعة من وادي الموت إلى أودية الحياة والازدهار؟، وكيف يمكننا أيضاً أن نخلق بيئة داعمة ومعززة لأصحاب هذه الابتكارات؟

المصدر: صحيفة الوطن

الدكتور عبدالله العباسي، مدير برنامج الطاقة والبيئة