ليس من قبيل المصادفة أن يعلن وزير الدفاع الإيرانى حسين دهقان أن إيران «سوف تمنح موسكو المزيد من القواعد العسكرية الإيرانية إذا لزم الأمر»، وأن يعلن الرئيس المخلوع على عبدالله صالح وحليف الحوثيين المدعومين من إيران السماح لروسيا باستخدام قواعد عسكرية فى اليمن.
صحيح أن هناك علاقات عديدة بين روسيا وإيران، إلا أن إدراك إيران انكشاف مخططاتها الإقليمية للهيمنة و التدخل فى شئون دول الجوار والتى أضحت محل انتقاد دائم على المستويين الإقليمى والعالمى قد حدا بها لمحاولة وضع الصراع الإقليمى ضمن سياسة المحاور مجدداً من خلال إتاحة الفرصة للمزيد من الوجود العسكرى الروسى فى المنطقة الأمر الذى يتيح لإيران هامشاً من المناورة ضمن معادلة الصراع الإقليمى الدولى الجديدة -وذلك بغض النظر عن إعلان إيران تعليق العمل الروسى فى إحدى القواعد الجوية الإيرانية « فإيران لم تعلن إغلاق الملف برمته بل جعلته مرتهناً بالتطورات والظروف الإقليمية. ويعنى ما سبق أن إيران تعمل على تطبيق نظرية «شد الأطراف» من خلال إبقاء مناطق العمق الاستراتيجى لدول مجلس التعاون فى حالة من الصراع المزمن والمتزامن فى آن واحد بما يدفع دول مجلس التعاون لاستمرار الانخراط فى ذلك الصراع لمواجهة التمدد الإيرانى وهنا يثار تساؤلان مهمان. الأول: هل أصبح التمدد الإيرانى الإقليمى بلا نهاية؟ والثاني: هل بإمكان إيران بالفعل المناورة ضمن الصراع الإقليمى العالمى الراهن؟ وللإجابة عن التساؤل الأول فلاشك أن إيران تعد هى المحرك الأساسى للصراعات الإقليمية الراهنة إلا أنه يمكن قراءة ذلك من منظور آخرمؤداه أنه ربما لا يكون ذلك التمدد تعبيراً عن قوة ونفوذ بقدر ما هو تعبير عن أزمات داخلية تواجهها إيران ابتداءً باعتراف مساعد وزير الصحة الإيرانى أن 30% من الشعب الإيرانى يعانون الفقر والجوع ومروراً بظهور تيارات سياسية تعارض نظام ولاية الفقيه بعد تردد أنباء عن اعتلال صحة المرشد الأعلى وانتهاءً بعدم قدرة النظام الإيرانى على صهر مكونات المجتمع الإيرانى وهى عشر عرقيات فى بوتقة واحدة فلاتزال السياسات التمييزية ضد الأهواز سمة للسياسات الداخلية للحكومة الإيرانية، ويعنى ما سبق أنه ربما أدركت إيران أن الثورة الإيرانية قد بلغت ذروتها بعد ثلاثة عقود ووفقاً لصامويل هنتجتون فإن ذلك يعنى أن الجيل الحالى يتعين أن يبحث عن مبرر مقبول – وخاصة من قطاع الشباب الإيرانى الذى تتجاوز نسبته ثلثى عدد السكان – لاستمرار تلك الثورة وللإجابة عن التساؤل الثاني، فعلى الرغم من حالة الوفاق بين إيران وكل من الولايات المتحدة وروسيا فإن المناورة الإيرانية ضمن الصراع الروسى – الأمريكى فى المنطقة تظل مرتهنة بطبيعة العلاقات بين كل من الولايات المتحدة وروسيا، حيث إن أياً منهما لا يمكنهما التضحية بالمصالح الإستراتيجية لدى الآخر من أجل إيران فالمسألة أشمل من ذلك بكثير حيث لا تزال تربط الدولتين أمور أخرى منها قضايا نزع التسلح والصراع ضمن مناطق أخرى من العالم ليس أقلها الأزمة الأوكرانية، كما لا تزال مسألة الأرصدة المالية الإيرانية فى الولايات المتحدة محل جدل، ناهيك عن أن روسيا لم تعارض فى السابق فرض العقوبات الأممية على إيران، من ناحية أخرى ربما يكون هناك اتفاق بين الجانبين على أن إيران تعد جزءًا من المشكلات الإقليمية الراهنة إلا أنه فى الوقت ذاته توجد تفاهمات حول تحديد سقف لما ينبغى أن تذهب إليه السياسات الإيرانية بحيث لا تمثل تهديداً لمصالح أى منهما. والخلاصة أنه من التبسيط الشديد النظر إلى السياسات الإيرانية بمعزل عن واقع إقليمى عالمى جديد آخذ فى التشكل ذى سمات ثلاث أولاها: سعى بعض الأطراف الإقليمية لتوظيف الأزمات التى يشهدها الإقليم من أجل صياغة تحالفات جديدة منها على سبيل المثال لا الحصر سياسة تركيا التصالحية مع كل من روسيا وإسرائيل وإيران، وثانيتها:أن احتمال استخدام روسيا لقواعد عسكرية فى كل من اليمن وإيران مجدداً بالإضافة إلى القواعد الروسية الجوية والبحرية فى سوريا يعنى أننا أمام حرب باردة جديدة وثالثتها: أن ديمومة الأزمات الإقليمية هو سبب ونتيجة فى آن واحد لظاهرة الجماعات المسلحة دون الدول التى أصبحت لاعباً ضمن منظومة الأمن الإقليمي. وتضع تلك التطورات دول مجلس التعاون أمام تحديات هائلة بما يتطلب صياغة استراتيجيات تتسم بالشمول والمرونة فى آن واحد للتعامل مع عدد جوانب تلك الصراعات التى تتسم بالتدويل والتعقيد والديمومة، كما أن الاتفاق على مصادر الخطر وإعادة ترتيبها سيكون المدخل المهم إما لبناء تحالفات جديدة، خاصة مع الدول المحورية وفى مقدمتها مصر أو الإسراع بتنفيذ الجوانب الدفاعية لمقترح الاتحاد الخليجى